ما فائدة ذكر (صراط الذين أنعمت عليهم) بعد قوله: (اهدنا الصراط المستقيم)؟

28-07-2024

السؤال 519248

لماذا نكرر دعاءنا في الفاتحة "اهدنا الصراط المستقيم" بـ "صراط الذين أنعمت عليهم"؟ الله يعلم أن الصراط المستقيم هو الطريق الصحيح، وهو يعرف الطرق الخاطئة الأخرى، فلماذا في هذه المحادثة مع الله نكرر طلبنا منه بمواصفات يعلمها بالفعل؟

الجواب

الحمد لله.

قوله الله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) الفاتحة/6-7.

وجملة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ): بدل، أو عطف بيان من جملة: (الصراط المستقيم).

والتقدير: اهدنا صراط من أنعمت عليهم.

ولا شك أن الله يعلم ماهية الصراط المستقيم، وكان يكفي الإنسان أن يقول: اللهم اهدني الصراط المستقيم، فيهديه الله لما يعلم أنه طريق الحق الموصل إليه.

ولكن الآية أفادت فوائد أخرى، فبينت أهل الصراط المستقيم وهم من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وبينت المنحرفين عن الصراط، وهم المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود، والضالون الذين تركوا الحق على جهل وضلال، كالنصارى.

وأفادت عقد الولاء بين العبد وبين أهل الصراط المنعم عليهم، وعقد البراء بينه وبين المنحرفين عن الصراط المستقيم.

ففائدة تكرار لفظ الصراط، وبيان أهله، والخارجين عنه: تأكيد هذا المعنى في نفوس المؤمنين، وتذكيرهم كلما دعوا بالولاء للمنعم عليهم، والبراءة من المغضوب عليهم والضالين، وغير ذلك من الفوائد.

قال ابن عاشور رحمه الله في "التحرير والتنوير" (1/ 192): " (صراط الذين أنعمت عليهم) بدل أو عطف بيان من الصراط المستقيم، وإنما جاء نظم الآية بأسلوب الإبدال أو البيان دون أن يقال: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم المستقيم، لفائدتين:

الأولى: أن المقصود من الطلب ابتداء هو كون المُهدى إليه [أي: الصراط] وسيلة للنجاة واضحة سمحة سهلة، وأما كونها سبيل الذين أنعم الله عليهم فأمر زائد لبيان فضله.

الفائدة الثانية: ما في أسلوب الإبدال من الإجمال المعقّب بالتفصيل ليتمكن معنى الصراط المطلوب في نفوس المؤمنين الذين لَقِنوا هذا الدعاء، فيكون له من الفائدة مثل ما للتوكيد المعنوي.

وأيضا لما في هذا الأسلوب من تقرير حقيقة هذا الصراط، وتحقيق مفهومه في نفوسهم، فيحصل مفهومه مرتين، فيحصل له من الفائدة ما يحصل بالتوكيد اللفظي" انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " من فوائد الآيتين:

1-ذكر التفصيل بعد الإجمال؛ لقوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم: وهذا مجمل؛ (صراط الذين أنعمت عليهم) : وهذا مفصل؛ لأن الإجمال، ثم التفصيل فيه فائدة: فإن النفس إذا جاء المجمل تترقب، وتتشوف للتفصيل، والبيان؛ فإذا جاء التفصيل ورد على نفس مستعدة لقبوله، متشوفة إليه.

ثم فيه فائدة ثانية هنا: وهو بيان أن الذين أنعم الله عليهم على الصراط المستقيم..

2-ومنها: إسناد النعمة إلى الله تعالى وحده في هداية الذين أنعم عليهم؛ لأنها فضل محض من الله..

3-ومنها: انقسام الناس إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم؛ وقسم مغضوب عليهم؛ وقسم ضالون" انتهى من "تفسير سورة الفاتحة والبقرة" (1/ 19).

والحاصل:

أن في نظم الآية من الفوائد والمعاني والأسرار: ما يفوت الناس لو لم تذكر صفات هذا الصراط المستقيم؛ فالمقصود بالبدل هنا، أو عطف البيان: تعليم الناس حقيقة هذا الصراط الذي طلبوه، وصفات أهله الذين سلكوه. لا أنه تعريف لله جل وعلا، بصفات الصراط الذي يطلبه الناس؛ فالله عز وجل علام الغيوب، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

والله أعلم.

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب