لماذا أعرضت عائشة عن ذكر اسم علي في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم؟

11-11-2024

السؤال 525463

قال ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن محمد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: “فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي بين رجلين من أهله: أحدهما الفضل بن العباس، ورجل آخر، عاصبا رأسه، تخط قدماه، حتى دخل بيتي”، قال عبيد الله، فحدثت هذا الحديث عبد الله بن العباس، فقال: “هل تدري من الرجل الآخر؟ قال: قلت: لا ؟ قال: علي بن أبي طالب”، فلماذا عائشة رضي الله عنها وأرضاها لم تذكر اسم علي رضي الله عنه في كلامها؟

الجواب

الحمد لله.

روى البخاري (4442)، ومسلم (418) عن ابْنِ شِهَابٍ: أخبرني عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ: ” لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وهو بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ.

قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قالَتْ عَائِشَةُ، فقالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قالَ: قُلْتُ: لَا. قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هو عَلِيٌّ”.

وسبب عدم ذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اسم علي رضي الله عنه، قد وردت رواية تبيّنه، وأنه لأمر كانت تجده في نفسها، منه، رضي الله عنهما، وأرضاهما.

فروى عبد الرزاق في “المصنف” (5 / 429)، ومن طريقه الإمام أحمد في “المسند” (43 / 86)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: ( أَوَّلُ مَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِهَا، فَأَذِنَّ لَهُ. قَالَتْ: فَخَرَجَ وَيَدٌ عَلَى الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَيَدٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ، وَهُوَ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ فِي الْأَرْضِ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِيٌّ، وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ لَهُ نَفْسًا ).

وقال محققو المسند: ” إسناده صحيح على شرط الشيخين. عبد الرزاق: هو ابن همَّام الصنعاني، ومَعْمَر: هو ابنُ راشد ” انتهى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” قوله: ( قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ) زاد الإسماعيليّ من رواية عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: ( وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ نَفْسًا لَهُ بِخَيْرٍ )، وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فِي “الْمَغَازِي” عَنِ الزُّهْرِيِّ: ( وَلَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ ) … وفي هذا ردّ على من تنطّع فقال: لا يجوز أن يظنّ ذلك بعائشة، وردّ على من زعم أنّها أبهمت الثّاني لكونه لم يتعيّن في جميع المسافة، إذ كان تارة يتوكّأ على الفضل وتارة على أسامة وتارة على عليّ، وفي جميع ذلك الرّجل الآخر هو العبّاس، واختصّ بذلك إكراما له، وهذا توهّم ممّن قاله، والواقع خلافه، لأنّ ابن عبّاس في جميع الرّوايات الصّحيحة جازم بأنّ المبهم عليّ، فهو المعتمد، واللّه أعلم ” انتهى.”فتح الباري” (2 / 155 — 156).

وما كانت تجده عائشة رضي الله عنها في قلبها ليس من البغض أو الانكار لفضل علي رضي الله عنه ولمكانته، وإنما كان مرجع هذه الموجدة: إلى حادثة الإفك؛ فإن عليًّا رضي الله عنه، لما استشاره النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل كقول أسامة رضي الله عنه، بل أشار عليه بما يفهم منه الطلاق.

كما روى البخاري (4141)، ومسلم (2770): عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا … قَالَتْ: ” وَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ”.

وعلي رضي الله عنه: لا شك أنه مجتهد في النصح وله عذره.

قال النووي رحمه الله تعالى:

” قولها ( وَأَمَّا عَلِيّ بن أبي طالب فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ): هذا الذي قاله علي رضي الله عنه هو الصواب في حقه؛ لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم في اعتقاده، ولم يكن ذلك في نفس الأمر؛ لأنه رأى انزعاج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وتقلقه، فأراد راحة خاطره، وكان ذلك أهم من غيره ” انتهى. “شرح صحيح مسلم” (17 / 108).

وقد رأت عائشة رضي الله عنها أنه لم يُحسن في مقاله، كما أحسن أسامة، رضي الله عنهم أجمعين.

روى البخاري (4142) عن الزُّهْرِيِّ، قالَ: “قالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كانَ فِيمَنْ قَذَفَ عائِشَةَ؟ قُلْتُ: لَا، وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَني رَجُلَانِ مِنْ قَوْمِكِ: أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحارِثِ: أَنَّ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ لَهُما: كانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأنِها”.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:

” قوله: (كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا) كذا في نسخ البخاريّ بكسر اللّام الثّقيلة، وفي رواية الحمويّ بفتح اللّام.

… وقال ابن التّين: قوله: ( مُسَلِّمًا ) هو بكسر اللّام، وضبط أيضا بفتحها والمعنى متقارب.

قلت: وفيه نظر، فرواية الفتح تقتضي سلامته من ذلك، ورواية الكسر تقتضي تسليمه لذلك.

قال ابن التّين: وَرُوِي ( مُسِيئًا ) وفيه بعد.

قلت: بل هو الأقوى من حيث نقل الرّواية، وقد ذكر عياض: أنّ النّسفيّ رواه عن البخاريّ بلفظ ( مُسِيئًا )، قال: وكذلك رواه أبو عليّ بن السّكن، عنِ الفربريّ، وقال الأصيلِيّ بعد أن رواه بلفظ ( مُسَلِّمًا ): كذا قرأناه، والأعرفُ غيره، وإنّما نسبته إلى الإساءة؛ لأنّه لم يقل كما قال أسامة: ( أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا ) … وقال: ( لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ )، ونحو ذلك من الكلام ” انتهى. “فتح الباري” (7 / 437).

فيتبيّن من جميع ما سبق أن ما كانت تجده عائشة رضي الله عنها، هو أمر من طبع البشر، ولا يذمّ في ذاته، فلذا صدّقها ابن عباس رضي الله عنها في حديثها، ولم يصدر منه انتقاد لها في سكوتها عن ذكر اسم علي رضي الله عنه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” وقد صدق ابن عباس عائشة فيما أخبرت به، مع أنه كان بينهما بعض الشيء، بسبب ما كان بينهما [لعله بينها] وبين علي; ولذلك لم تسمه، وابن عباس يميل إلى علي ولا يُتَّهم عليه، ومع هذا فقد صدّقها في جميع ما قالت، وسمى الرجل الآخر عليا، فلم يكذبها، ولم يخطئها في شيء مما روته ” انتهى. “منهاج السنة النبوية” (8 / 562).

وإنما يقع الذم إذا اتُّخذ هذا الشعور ذريعة إلى العدوان والبغي وإنكار الحق، وأمّنا عائشة رضي الله عنها مبرّأة من كل هذا، وحاشاها منه، رضي الله عنها؛ فإنها كانت تعرف لعلي رضي الله عنه مكانته، وتذكر وتشهر ما تعرف له من فضل ومكانة، عند الحاجة إلى معرفة ذلك.

روى الإمام مسلم (2424): عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ( خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ).

وكما في حديث شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: ( أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقَالَتْ: عَلَيْكَ بِابْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَسَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ … ) رواه مسلم (276).

والخلاصة:

عدم ذكر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لاسم علي رضي الله عنه، في قولها: ( فَخَرَجَ وهو بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الأَرْضِ، بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ ).

قد بيّنت رواية أن ذلك لما كانت تجده في نفسها، كما عند الإمام أحمد في “المسند” (43 / 86): ( قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ هُوَ عَلِيٌّ، وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ لَهُ نَفْسًا ).

قال الزرقاني رحمه الله تعالى:

” … زاد الإسماعيلي: ( وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ لَهُ نَفْسًا بِخَيْرٍ )، وعند ابن إسحاق: ( ولكن لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ ). انتهى.

وذلك لما جبل عليه الطبع البشري، فلا إزراء في ذلك عليها ولا على علي رضي الله عنهما ” انتهى. “شرح الزرقاني على المواهب اللدنية” (12 / 84).

فمثل هذا لا يذمّ به العبد إذا لم يجره إلى الاساءة والظلم والعدوان وإنكار الحقوق، وعائشة رضي الله عنها مبرأة من كل هذا، بل كانت تعترف بفضل علي رضي الله عنه إذا كانت هناك حاجة إلى بيان ذلك، كما جاءت بذلك الروايات الصحيحة.

والله أعلم.

شروح الأحاديث
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب