ما حكم قول لشخص ميت مولاي؛ لأنه في حياته كان شيخا، لا بنية الاستغاثة، ولا الاستعانة؟
الحمد لله.
المولى يقع على معان.
قال ابن عطية رحمه الله في تفسيره (2/46): ” والمولى في كلام العرب: لفظة يشترك فيها القريب القرابة، والصديق، والحليف، والمعتِق، والمعتَق، والوارث، والعبد، فيما حكى ابن سيده” انتهى.
وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله: “والمَوْلَى يقال للمعتِقِ، والمعتَقِ، والحليفِ، وابنِ العمِّ، والجارِ، وكلِّ من وَلِيَ أمرَ الآخرِ فهو وَلِيُّهُ” انتهى من المفرادات في غريب القرآن، ص 887
وقال النووي رحمه الله: “اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه، ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم، وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل…
فصل: يُكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول: سيدي، وإن شاء قال: مولاي.
ويُكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتايَ وفتاتي أو غلامي.
روينا في ” صحيحي البخاري ومسلم ” عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا يَقُلْ أحَدُكُمْ: أطْعِمْ رَبَّكَ، وضئ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ، وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: عبْدِي أمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ، وَفَتاتِي وَغُلامي”.
وفي رواية لمسلم ” وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ: رَبِّي، وَلْيَقُلْ: سَيِدي وَمَوْلايَ “. وفي رواية له: ” لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُلِ العَبْدُ رَبي، وَلْيَقُلْ سَيِّدِي”.
وفي رواية له: ” لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلامي وَجارِيَتِي، وَفَتايَ وَفَتاتِي “.
قلتُ: قال العلماء: لا يُطلق الربُّ بالألف واللام إلاّ على الله تعالى خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك…
قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه ” صناعة الكتاب “: أما المولى: فلا نعلم اختلافاً بين العلماء أنه لا ينبغي لأحدٍ أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي.
قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد، لغير الفاسق، ولا يقال السيد، بالألف واللام لغير الله تعالى، والأظهر أنه لا بأس بقوله: المولى والسيد بالألف واللام، بشرطه السابق” انتهى من الأذكار، ص 362
قال ابن علان، رحمه الله: ” قوله: (بشرطه السابق) أي: أن لا يقوله في فاسق، أو متهم في دينه، أو نحو ذلك”. انتهى، من “الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية” (7/ 97).
فلا حرج أن يقال عن الشيخ والمعلم: مولانا، أو مولاي، على معنى أنه متولي أمر طلابه، أو حبيبهم وقريبهم، كما لا حرج أن يقولوا: سيدنا.
ولا فرق بين أن يكون حيا أو ميتا، فيقال: مولانا فلان، أو مولاي فلان.
ولا حرج لو خاطبه بذلك، لا يَطلب منه ولا يستغيث به؛ إذ ليس كل خطاب لميت ممنوعا، فقد يريد بالخطاب استحضار الصورة، كما لو قال: جزاك الله خيرا يا مولانا على ما علمتنا وأفدتنا، أو يستعمل ذلك في السلام عليه عند زيارة قبره فيقول: السلام عليك يا مولاي، إذا لم يجره ذلك إلى غلو وتعظيم.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ، وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ، … فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، فقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا… ” رواه البخاري (3667).
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: ” أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يُعَافِيَنِي. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ لَكَ وَهُوَ خَيْرٌ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ.
فَقَالَ: ادْعُهْ! فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ، وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ رواه الترمذي (3578)، وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ”، ، ورواه ابن ماجه (1385) واللفظ له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وقوله: ( يا محمد يا نبي الله ): هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب الشهود بالقلب: كما يقول المصلي: ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته )؛ والإنسان يفعل مثل هذا كثيرا، يخاطب من يتصور في نفسه، وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب ” انتهى من “اقتضاء الصراط المستقيم” (2/319).
وقد بينا في جواب السؤال رقم: (237968) أن النداء ليس كله دعاء، بل يكون لأغراض كثيرة، منها التوجع، والتحسر، والإغراء، والندبة، والخطاب الذي لا يراد منه طلب شيء من المخاطب، كما في مخاطبة الشعراء للجماد والسحاب وغير ذلك.
والحاصل:
أنه لا حرج في إطلاق “مولاي” على الشيخ، وذكره بذلك حيا أو ميتا.
والله أعلم.