الحمد لله.
أولاً :
ليس هذا الحديث في جامع الترمذي ، ولا رواه أحد من أهل السنن ، ولكن له أصل في كتب الحديث :
قال ابن أبي عاصم رحمه الله في "الآحاد والمثاني" (1962) حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْعُثْمَانِيُّ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (ثَلاثٌ لازِمَاتٌ لأُمَّتِي : الطِّيَرَةُ ، وَالْحَسَدُ ، وَسُوءُ الظَّنِّ ، فَقَالَ رَجُلٌ : فَمَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّنْ كُنَّ فِيهِ ؟ قَالَ : إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفِرْ ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلاَ تَحَقِّقْ ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَأَمْضِهِ) .
وهكذا رواه الطبراني في "الكبير" (3227) والمحاملي في "الأمالي" (343) وأبو الشيخ في "التوبيخ" (145) من طريق إسماعيل بن قيس به .
وهذا إسناد ضعيف جداً ، قال البخاري والدارقطني وأبو حاتم الرازي عن إسماعيل بن قيس : منكر الحديث . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه منكر .
"لسان الميزان" (1 / 429)
وله شاهد رواه البغوي في "شرح السنة" (6 / 335) من طريق مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فذكره .
قال البغوي : مرسل .
ورواه البيهقي في "الشعب" (1173) من طريق يحيى بن السكن ثنا شعبة عن محمد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا به .
وهذا الإسناد لايصح ، فيحيى بن السكن ضعفه أبو حاتم ، وقال الذهبي : ليس بالقوي .
"ميزان الاعتدال" (7 / 183) .
ومحمد هو ابن إسحاق ، وهو مدلس ، فلا يقبل منه الحديث إلا إذا صرح بالسماع ، وهذا مفقود هنا ، لأنه قال : عن الأعرج .
ورواه البيهقي في "الشعب" (1174) من طريق يحيى بن اليمان ثنا شعبة عن محمد بن إسحاق عن علقمة بن أبي علقمة عن أبي هريرة به مرفوعا . فأسنده .
وهذا الإسناد خطأ ، والصواب عن علقمة مرسلاً ، ويحيى بن يمان ضعيف .
انظر : "ميزان الاعتدال" (7/230) .
وله شاهد يرويه معمر في "جامعه" ومن طريقه عبد الرزاق في "المصنف (19504) والبيهقي في "الشعب" (1172) عن إسماعيل بن أمية مرفوعا ، وهذا معضل .
وضعفه الشيخ الألباني رحمه الله في "الضعيفة" (4019) .
فتبين بهذا أن الحديث ضعيف لا يصح .
وتفسير الحديث – على فرض ثبوته - :
أن هذه الثلاثة كثيرا ما تقع في النفس دون قصد ، فلا يضر المسلم مجرد وقوعها في نفسه ، ما لم يسترسل معها ، ويعمل بها .
قال المناوي رحمه الله :
" لأن الحسد واقع في النفس كأنها مجبولة عليه ، فلذلك عذرت فيه ، فإذا استرسلت فيه بمقالها وفعالها كانت باغية .
ومخرجه من الطيرة – وهي التشاؤم - أن لا يرجع عن مقصده ، بل يعزم ويتوكل على ربه.
ومخرجه من الظن أن لا يحقق ، فلا يعمل بمقتضاه ، بل يتوقف عن القطع والعمل به .
ومخرجه من الحسد أن لا يبغي على المحسود " انتهى بتصرف .
"فيض القدير" (3 / 402) (4 / 595) .
وعن الحسن البصري قال : " ما من آدمي إلا وفيه الحسد ، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء " .
"فتح الباري" (10 / 482).
والله أعلم .
تعليق