السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

متى يكون قول العالم – صحابيا كان أو غيره – حجة ؟

178977

تاريخ النشر : 23-06-2012

المشاهدات : 20533

السؤال


أحيانا نسمع أقوالاً رويت عن الصحابة ، وأحيانا أخرى أقوالاً رويت عن الأئمة في مناسبات مختلفة ، في حين أن القاعدة العامة توجهنا إلى اتباع الكتاب والسنة ، فمتى يتوجب على المسلم أن يأخذ بقول الصحابي أو قول الإمام ؟ وكيف يوفّق بين هذا الأمر وقاعدة وجوب اتباع الكتاب والسنة ؟

الجواب

الحمد لله.


وجوب اتباع الكتاب والسنة لا ينافي الأخذ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والفضل ، بل إن الأخذ عنهم في الجملة هو من اتباع الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/ 7 .
وروى أبو داود (3641) عن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( ... وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

 

وقول العالم – سواء كان صحابيا أو غيره – لا يخلو إما أن يكون موافقا للسنة أو مخالفا لها ، فإن كان موافقا لها : وجب الأخذ به والعمل بمقتضاه ؛ لأن أهل العلم أعلم بالله وبرسوله ممن سواهم .

 

وإن كان مخالفا للسنة فإنه لا يؤخذ به ، وإنما يؤخذ بالسنة ، لكن متى تبينت لصاحبها ، وتبين له مخالفة قول هذا القائل المعين لها .
والقاعدة : أن كل واحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويحفظ مع ذلك لأهل العلم – وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم – مكانتهم ومنزلتهم في الدين .
وأما إذا لم يرد نص في المسألة فقول الصحابي الفقيه إذا لم يخالف غيره من الصحابة حجة عند كثير من أهل العلم .
والقاعدة في ذلك أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف نصا ، أو يخالف غيره من الصحابة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين :
الشرط الأول : ألا يخالف قول الله ورسوله ؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله .
الشرط الثاني : ألا يخالف قول صحابي آخر ؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح ؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر " .
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59 /24) .

وكذا قولهم رضي الله عنهم في أسباب النزول وتفسير القرآن والسنة حجة ؛ لأنهم أعلم بالتنزيل وبلغة العرب ، وفيهم نزل القرآن ، وقد عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم أعلم بسنته .

أما العلماء ممن عداهم : فهم أعلم الناس بالكتاب والسنة ، وأدرك الناس بالقياس الصحيح ، وأقدر الناس على استنباط الأحكام واستخراجها من أصولها ، قال الله تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) النساء/ 83 .
قال السعدي رحمه الله :
" وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 190) .

ويتأكد الرد إلى أهل العلم ، والوقوف عند أقوالهم في المسائل المشكلة والمشتبهة ؛ فهذا لا حظ فيها لنظر القاصر ، ومن لم يتبصر بالعلم ، ويختص بذلك الأمر ، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برد ما اشتبه إلينا علمه من كتاب الله أو سنة رسوله إلى أهل العلم به :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ ، فَقَالَ : ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ؛ ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؛ فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا ، وَمَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ ) رواه أحمد (6702) وابن ماجة (85) وحسنه الألباني في " مشكاة المصابيح " (237) .
قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله :
" (فَكِلُوهُ) أَيْ: رُدُّوهُ وَفَوِّضُوهُ (إِلَى عَالِمِهِ) : وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُلْقُوا مَعْنَاهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/313) .

والحاصل : أنه متى اتفق أهل العلم على معنى آية أو حديث ، أو إثبات حكم شرعي ، أو نفيه ، فهذا حجة شرعية ثابتة ؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة .
وأما إذا اختلفوا ، فالحكم بين الأقوال والأفعال والأحوال هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فما كان من أقوالهم أشبه بالكتاب والسنة وأقرب للحكم بهما وجب اتباعه ، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أو كان أبعد عن الحكم بهما وجب رده ، مع الإقرار لجميعهم بالعلم والفضل والصيانة والديانة ؛ فإنهم الذين اصطفاهم الله لحفظ دينه ورعاية شرعه وحكمه وإقراره في الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِذَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 /12) .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" إذا قام الدليل على مسألة من المسائل ، وجب الأخذ بما قام عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن خالف إماما كبيرا ، بل وإن خالف بعض الصحابة ، فالله يقول : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ولم يقل سبحانه : ردوه إلى فلان أو فلان .
لكن لا بد من التثبت واحترام أهل العلم ، والتأدب معهم ، فإذا وجد المرء قولا ضعيفا عن أحد الأئمة أو العلماء أو المحدثين المعتبرين ، فإن ذلك لا ينقص من قدرهم ، وعليه أن يحترم أهل العلم ، والتأدب معهم ، ويتكلم بالكلام الطيب ، ولا يسبهم ولا يحتقرهم ، ولكن يبين الحق بالدليل مع دعائه للعالم ، والترحم عليه ، وسؤال الله أن يعفو عنه .
هكذا يجب أن تكون أخلاق أهل العلم مع أهل العلم : يقدرون أهل العلم لمكانتهم ، ويعرفون لهم قدرهم ومحلهم وفضلهم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26 /305) .
راجع لتمام الفائدة إجابة السؤال رقم : (128658) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب