الجمعة 17 شوّال 1445 - 26 ابريل 2024
العربية

أعطى ولده مالا ليؤسس عملاً يعيش منه ، فهل يدخل هذا المال في التركة بعد وفاة الأب ؟

191614

تاريخ النشر : 03-05-2013

المشاهدات : 18639

السؤال


مات أبي رحمه الله ونحن الورثة : ابن وبنتان وزوجة ، قبل 15عاما أعطى والدي لأخي مبلغا من المال لكي يؤسس لنفسه عملا يعيش منه ، وقد تحقق ذلك والحمد لله
فهل يدخل ذلك المبلغ في التركة ؟ ، وماذا عن الأرباح ؟
وقد قال تعالى : ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) ، ماذا تعني هذه الآية الكريمة ؟
وقد علمت من أخي بأنه لن يصرف علينا بعد تقسيم التركة ، فهل يحق له ذلك ؟
كما ترك لنا والدنا منزلا مكونا من خمسة طوابق ، تحتوي على خمس عشرة شقة ، وشقة رئيسية غير مؤجرة ، نقيم فيها في حال سافرنا لليمن للزيارة ، وكنا نعاني كثيرا في حياة أبي بسبب زيارة بعض الأقارب السيئين لنا ، ولكنا كنا نتحملهم من أجل والدنا ، والآن بعد وفاة أبي رحمه الله أخي يريد أن يخرج أحد المستأجرين من أحد الشقق ليسكن فيها هو وأسرته ، فهل يحق له ذلك ؟ علما بأنه أراد أن يسكن أسرته في الشقة الرئيسية ، ولكني رفضت ؛ لأني كثيرا ما أسافر لليمن وأكثر من عشت فيها ، ولأن أقارب زوجة أخي في اليمن أيضا ، وسوف يقومون بالكثير من الزيارات لها ، وأنا لا أطيق رؤيتهم لكثرة مشاكلهم ، وفساد أخلاق بعضهم ، فما رأيكم ؟
أرجو أن تشيروا علينا ببعض الحلول ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
وفاة الإنسان تعني انتقال تركته إلى ملك ورثته ، كل بحسب نصيبه الذي قسمه الله تعالى له ، ولا يحتسب من التركة ما دفعه الوالد في حياته لأحد أبنائه ، إذا كان له سبب أو موجب يقتضي تخصيص بالعطاء عن باقي إخوته ، كمثل مساعدة الابن على تأسيس عمل يتعيش منه ، إذا لم يكن له مهنة تكفيه ، أو كسب خاص به يليق بمثله ، أو احتاج إلى علاج ، أو تعليم ، ونحو ذلك من الحاجات ؛ فقد اتفق الفقهاء في مثل هذه الأحوال على جواز تخصيص الولد المحتاج بالعطية ، ولا يجب على الوالد أن يعطي إخوته غير المحتاجين كما أعطى المحتاج ، وإنما يجب عليه أن يعطي المحتاج منهم ، لأجل حاجته ، أو يواسيه ، كما واسى الأول .
ولا يجب على من أخذ من الأبناء شيئا من ذلك لحاجته ، أن يرجع فيتقاسم تلك الأموال مع إخوانه ، ومن باب أولى أرباح تلك الأموال ؛ لأن هذه الأرباح متولدة من رأس المال ، الذي قبضه على صورة مشروعة ، ومن جهده الخاص به هو .
يقول ابن قدامة رحمه الله :
" إن خص [الوالدُ] بعضَهم لمعنى يقتضي تخصيصه ، مثل اختصاصه بحاجة ، أو زمانة ، أو عمى ، أو كثرة عائلة ، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل ، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه ، أو بدعته ، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله ، أو ينفقه فيها ، فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك... لحديث أبي بكر رضي الله عنه ، ولأن بعضهم اختص بمعنى يقتضي العطية ، فجاز أن يختص بها ، كما لو اختص بالقرابة " .
انتهى من " المغني " (6/53) .
أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فحاصله أنه قد نحل ابنته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ) دون بقية إخوانها . رواه مالك في " الموطأ " (رقم/806) وغيره بسند غاية في الصحة ، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة .
ثانيا :
في سؤالكم هذا تأخذ الزوجة الثمن ، والباقي يقسم بين الابن والبنتين على قاعدة : للذكر مثل حظ الأنثيين ، فيكون حاصل المسألة أن تقسم التركة – سواء كانت مالا منقولا أم عقارا - إلى اثنين وثلاثين سهما ، تأخذ الزوجة أربعة أسهم ، وحصة الابن أربعة عشر سهما ، وحصة كل بنت سبعة أسهم فقط ، قال تعالى : ( فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ ) النساء/12. وقال عز وجل : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) النساء/11، يقول العلامة السعدي رحمه الله : " أي : الأولاد للصلب ، والأولاد للابن ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، إن لم يكن معهم صاحب فرض ، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك ، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/166) .
وهذا التقسيم يلحق جميع التركة ، سواء الشقة التي كانت مخصصة للعائلة ، أم غيرها من الشقق والأموال المؤجرة ، وذلك يعني أنه ليس من حق أحد من الورثة الاستئثار بالتصرف في أي شقة ، بل هي شراكة بين الجميع ، كل بحسب حصته .
وأنتم الآن بالخيار : إما أن تقتسموا هذه الأملاك ، على الصفة السابقة ، وتقدر كل شقة بقيمتها ، من حيث قيمة الشقة ، وإيجارها ونحو ذلك مما يعرفه أهل الخبرة ، ويأخذ كل نصيبه .
أو تبقى العمارة شركة بينكم ، كما هو الحال عليه الآن ؛ وحينئذ : فإذا أراد الابن العيش في إحداها فإما أن يدفع أجرتها لشركائه فيها من بقية الورثة بحسب حصصهم منها ، أو يسامحوه في تلك الأجرة عن طيب نفس ورضا . ولا ينبغي لأحد الورثة أن يرفض تأجيرها مطلقا فيعطل على بقية الورثة الانتفاع بها ، إلا أن تصطلحوا جميعا على ذلك .
وإذا لم يمكن أن تحلوا الأمر بينكم ، بصفة ودية كما ننصح به ، فوسطوا بينكم العقلاء الأمناء من أهل الدين والعقل ، وسداد الرأي ، فإن بقي بينكم أمر لم تقدروا على حله : أمكن اللجوء إلى القضاء لفض النزاع .
وفي جميع الأحوال فإن الحوار والتفاهم وتوسيط أهل الخير هو السبيل الوحيد لتجاوز الخلاف ، والوصول إلى حل يرضى به الجميع ، مع الالتزام بالحكم الشرعي .
ثالثا :
لا يجب على الأخ أن ينفق على أخته إذا كانت تملك كفايتها من المال ، فإن لم تكن كذلك ، ولم تكن متزوجة ، وليس لها ابن أو أب أحياء : وجب على أخيها أن ينفق عليها ، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم : (106540) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب