الحمد لله.
أولا :
ظاهر سؤال الأخ السائل أنه يصلي صلاة الفجر في بيته ولا يصليها في جماعة المسجد ، وهذا لا يجوز ؛ لأن صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الأعيان ، لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر . راجع لمعرفة الأدلة على وجوب صلاة الجماعة في المسجد جواب السؤال رقم : (8918) .
ثانيا :
صلاة الليل من أفضل نوافل الأعمال ، ومن أحسن ما يتقرب به العبد إلى ربه ، راجع لمعرفة فضل قيام الليل جواب السؤال رقم : (50070) .
وقد تقدم أيضا في جواب السؤال رقم : (138870) أن المشروع في صلاة الفجر إطالة القراءة .
ثالثا :
لا شك أن الاهتمام بالسنن من شرائع الدين وأبواب التقوى ، ولكن لا تقدم مصلحة النفل على الفرض ، بل الواجب العناية بالفرض أولا ، ثم تأتي العناية بالنفل بعد ذلك . وقد روى البخاري في صحيحه (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ... وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
" وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَدَاء الْفَرَائِض أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّه ، قَالَ الطُّوفِيُّ : الْأَمْرُ بِالْفَرَائِضِ جَازِمٌ ، وَيَقَعُ بِتَرْكِهَا الْمُعَاقَبَةُ ، بِخِلَافِ النَّفْلِ فِي الْأَمْرَيْنِ ، وَإِنْ اِشْتَرَكَ مَعَ الْفَرَائِضِ فِي تَحْصِيلِ الثَّوَابِ ، فَكَانَتْ الْفَرَائِضُ أَكْمَلَ , فَلِهَذَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَشَدَّ تَقْرِيبًا , وَأَيْضًا : فَالْفَرْضُ كَالْأَصْلِ وَالْأُسِّ ، وَالنَّفْلُ كَالْفَرْعِ وَالْبِنَاءِ , وَفِي الْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ اِمْتِثَالُ الْأَمْرِ ، وَاحْتِرَامُ الْآمِرِ وَتَعْظِيمُهُ بِالِانْقِيَادِ إِلَيْهِ ، وَإِظْهَارُ عَظَمَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ ؛ فَكَانَ التَّقَرُّبُ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الْعَمَلِ ...
وَقَالَ اِبْن هُبَيْرَة : يُؤْخَذ مِنْ قَوْله " مَا تَقْرَب إِلَخْ " : أَنَّ النَّافِلَة لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْفَرِيضَة , لِأَنَّ النَّافِلَة إِنَّمَا سُمِّيَتْ نَافِلَةً لِأَنَّهَا تَأْتِي زَائِدَةً عَلَى الْفَرِيضَةِ , فَمَا لَمْ تُؤَدَّ الْفَرِيضَةُ لَا تَحْصُلُ النَّافِلَةُ , وَمَنْ أَدَّى الْفَرْضَ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ النَّفْل وَأَدَامَ ذَلِكَ تَحَقَّقَتْ مِنْهُ إِرَادَةُ التَّقَرُّبِ " انتهى .
وقد روى الإمام مالك في "الموطأ" (270) عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَدَا إِلَى السُّوقِ ، وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ، فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ سُلَيْمَانَ ، فَقَالَ لَهَا : لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْحِ . فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : " لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَةً ".
فصلاة الصبح تقدم بكل حال على صلاة الليل ، ولكن الموازنة بين الأعمال والجمع بينها أفضل من إهمال بعضها ، فينبغي أن يكون للمسلم حظه من قيام الليل ، ولكن دون أن يضر ذلك بصلاة الصبح ؛ إذ لا بد أن يحضرها في المسجد مع المسلمين ، وهو حاضر الذهن متيقظ ، لا يغالبه النوم .
فينبغي للعبد أن ينام مبكرا ، ثم يقوم قبل الفجر فيصلي ما شاء الله أن يصلي ، ثم
يذهب لصلاة الصبح .
وإذا أحب أن يطيل في صلاة الليل ، فذلك من السنة ، ولكن إن رأى أن إطالة صلاة الليل
ستؤثر على صلاة الصبح ، قدم مصلحة صلاة الصبح ، حتى يأتيها وهو متيقظ نشيط .
وإذا خُيّر بين إطالة صلاة الليل وإطالة صلاة الصبح - في حالة ما إذا كان إماما ،
أو كان يصلي في بيته للعذر - أطال صلاة الصبح ؛ لأنها الفرض ، ولأنها أكثر أجرا بلا
شك ؛ فقد روى مسلم (656) عن عُثْمَان بْن عَفَّانَ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي
جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي
جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ) .
والموازنة بين الأعمال أفضل الأحوال - كما تقدم - .
راجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (43738) ، (145693) .
والله تعالى أعلم .
تعليق