الحمد لله.
الذكر الجماعي عقب الصلاة ليس من السنة ، بل هو إلى البدعة أقرب ، سواء كان بصيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، أم بالتسبيح والتحميد ، أم بالدعاء ، وقد سبق بيان ذللك في الفتوى رقم : (105644) .
فلا تجوز الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم ولا قراءة هذه الآية جماعة بعد كل صلاة .
وذلك لأدلة :
الدليل الأول :
أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة الكرام التزام الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم عقب كل صلاة فريضة ، ولا قول " سبحان ربك رب العزة عما
يصفون " ، وقد ورد في كتب السنة الأحاديث والآثار التي تعلم الناس ما يشرع من
الأذكار عقب الصلوات ، ليس في شيء منها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، أو
قراءة هذه الآية الكريمة . ولهذا لما نقل ابن قيم الجوزية رحمه الله – في " جلاء
الأفهام " (ص/434) – عن الحافظ أبي موسى وغيره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
عقيب الصلوات ، علق على ذلك رحمه الله بقوله : " ولم يذكروا في ذلك سوى حكاية "
يعني : لم يذكروا في ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وساق تلك الحكاية
التي لا ينبني عليها حكم فقهي ، ولا استحباب شرعي .
وقال ابن الحاج المالكي رحمه
الله :
" الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر العبادات وأجلها [ ولكن ]
ينبغي أن يسلك بها مسلكها ، فلا توضع إلا في مواضعها التي جعلت لها . ألا ترى أن
قراءة القرآن من أعظم العبادات ، ومع ذلك لا يجوز للمكلف أن يقرأه في الركوع ولا في
السجود ولا في الجلوس في الصلاة ؛ لأن ذلك ليس بمحل للتلاوة ، فالصلاة والتسليم على
النبي صلى الله عليه وسلم أحدثوها في أربعة مواضع ، لم تكن تفعل فيها في عهد من مضى
، والخير كله في الاتباع لهم رضي الله عنهم ، مع أنها قريبة العهد بالحدوث جدا ،
وهي : عند طلوع الفجر من كل ليلة ، وبعد أذان العشاء ليلة الجمعة ، وبعد خروج
الإمام في المسجد على الناس يوم الجمعة ليرقى المنبر ، وعند صعود الإمام عليه
يسلمون عند كل درجة يصعدها ....
والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك مسلم أنها من أكبر العبادات
وأجلها ، لكن ليس لنا أن نضع العبادات إلا في مواضعها التي وضعها الشارع فيها ،
ومضى عليها سلف الأمة " انتهى من " المدخل " (2/249-252) .
الدليل الثاني :
أن الذكر الجماعي بالصوت الواحد لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي
الله عنهم .
قال الإمام الشاطبي رحمه الله – عن الذكر الجماعي بصوت واحد - :
" لو كان حقا لكان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به ، وإلا فأين في
الكتاب أو في السنة الاجتماع للذكر على صوت واحد جهرا عاليا ، وقد قال تعالى : (
ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ) ، والمعتدون : هم الرافعون أصواتهم
بالدعاء .
وعن أبي موسى قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فجعل الناس
يجهرون بالتكبير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس ! أربعوا على
أنفسكم ، إنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا ، إنكم تدعون سميعا قريبا ، وهو معكم ) ،
وهذا الحديث من تمام تفسير الآية .
ولم يكونوا رضي الله عنهم يكبرون على صوت واحد ، ولكنه نهاهم عن رفع الصوت ليكونوا
ممتثلين للآية .
وقد جاء عن السلف أيضا النهي عن الاجتماع على الذكر والدعاء بالهيئة التي يجتمع
عليها هؤلاء المبتدعون ......
فالحاصل من هؤلاء أنهم حَسَّنوا الظن بأنفسهم فيما هم عليه ، وأساؤوا الظن بالسلف
الصالح أهل العمل الراجح الصريح ، وأهل الدين الصحيح " انتهى باختصار من " الاعتصام
" (2/108) .
الدليل الثالث :
أن الحرص على هذه البدعة غالبا ما سيؤدي إلى ترك السنة ، والمقصود بالسنة هنا السنة
المتمثلة في الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم عقب الصلوات ، فالمصلي
إذا أتى مع الإمام بما ورد في السؤال بصوت جماعي واحد ، فقد يظن أن السنة قد تحققت
، فيكتفي ويقوم إلى حاجته ، وفي حقيقة الأمر قد فوت على نفسه أذكارا كثيرة مهمة عقب
الصلوات ، منها ما يضاعف الأجور ، ومنها ما يحفظ الإنسان ، ومنها ما هو دعاء تتحصل
به الحاجات والمهمات .
وقد صدق حسان بن عطية رحمه الله حين قال : " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ، ثم لا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة " رواه الدارمي في " السنن " (1/231) .
والله أعلم .
تعليق