الجمعة 2 ذو القعدة 1445 - 10 مايو 2024
العربية

حديث واهٍ في وقوع أربع فِتن قبل الساعة .

248576

تاريخ النشر : 24-02-2018

المشاهدات : 56001

السؤال


هناك حديث عن الفتنة الدهماء ، وأنها تطوف بالشام ، وتغشى بالعراق ، سؤالي هل نحن في هذه الفتنة ؛ لأن الذي رأيناه وعشناه من تنازع وفرقة بين أهل البيت الواحد والحارة الواحدة ، والتهجير الذي حصل ، مجرد التفكير فيه تكاد تطيش منه العقول ؟ وما معنى تغشى في العراق ؟

الجواب

الحمد لله.


قال نعيم بن حماد المروزي رحمه الله في "كتاب الفتن" (89):
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ، عَنْ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَأْتِيكُمْ بَعْدِي أَرْبَعُ فِتَنٍ، الْأُولَى يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالثَّانِيَةُ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْأَمْوَالُ، وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَلُّ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْأَمْوَالُ، وَالْفُرُوجُ، وَالرَّابِعَةُ صَمَّاءُ عَمْيَاءُ مُطْبِقَةٌ، تَمُورُ مَوْرَ الْمَوْجِ فِي الْبَحْرِ، حَتَّى لَا يَجِدَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ مِنْهَا مَلْجَأً، تُطِيفُ بِالشَّامِ، وَتَغْشَى الْعِرَاقَ، وَتَخْبِطُ الْجَزِيرَةَ بِيَدِهَا وَرِجْلِهَا، وَتُعْرَكُ الْأُمَّةُ فِيهَا بِالْبَلَاءِ عَرْكَ الْأَدِيمِ ، ثُمَّ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُ فِيهَا: مَهْ مَهْ، ثُمَّ لَا يَعْرِفُونَهَا مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا انْفَتَقَتْ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى).

وهذا الحديث ضعيف جدًا، لا يصح ، لعدة أسباب :
أولا : جهالة من حدث به عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ثانيا : إسحاق بن أبي فروة ضعيف جدا : قال أحمد قال البخاري: تركوه. وقال الجوزجانى: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: لا تحل الرواية عندي عن إسحاق بن أبى فروة. وقال أبو زرعة وغيره: متروك.
"ميزان الاعتدال" (1 /193).
ثالثا : ضرار بن عمرو متروك أيضا ، قال ابن معين: لا شيء .
وضعفه البخاري والعقيلي وابن الجارود وغيرهم .
انظر: "لسان الميزان" (3 /202).
رابعا: يحيى بن سعيد العطار ، قال ابن معين: ليس بشيء، وقال الجوزجاني والعقيلي: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي: له مصنف في حفظ اللسان فيه أحاديث لا يتابع عليها وهو بين الضعف ، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات لا يجوز الاحتجاج به، وقال الساجي: عنده مناكير .
"تهذيب التهذيب" (11/ 221) .
خامسا: نعيم بن حماد صاحب كتاب الفتن فيه كلام مشهور ، وهو ضعيف صاحب مناكير ، قال ابن رجب رحمه الله:
" نُعَيْمٌ هَذَا وَإِنْ كَانَ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ كَانُوا يُحْسِنُونَ بِهِ الظَّنَّ، لِصَلَابَتِهِ فِي السُّنَّةِ، وَتَشَدُّدِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، وَكَانُوا يَنْسُبُونَهُ إِلَى أَنَّهُ يهِمُ، وَيُشَبَّهُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، فَلَمَّا كَثُرَ عُثُورُهُمْ عَلَى مَنَاكِيرِهِ، حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ، فَرَوَى صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ عَنِ ابْنِ مُعِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ، قَالَ صَالِحٌ: وَكَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حَفْظِهِ، وَعِنْدَهُ مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: يَصِلُ أَحَادِيثَ يُوقِفُهَا النَّاسُ، يَعْنِي أَنَّهُ يَرْفَعُ الْمَوْقُوفَاتِ، وَقَالَ أَبُو عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيُّ: هُوَ مُظْلِمُ الْأَمْرِ، وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ: رَوَى أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ عَنِ الثِّقَاتِ، وَنَسَبَهُ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (2/ 394)

فالحاصل : أن هذا إسناد شديد الضعف ، واه جدا ، لا تقوم بمثله حجة ، ولا يعتمد عليه في النقل عن نبي الله صلى الله عليه وسلم .
وذكر الفتن الأربعة ، ووصفها : ورد من طرق أخرى ، وله شواهد ، عامتها لا تخلو من ضعف وانقطاع ، ولا تقوم بشيء منها حجة .
وفي سنن أبي داود (4241) : عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , قَالَ:
( يَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَرْبَعُ فِتَنٍ، فِي آخِرِهَا الْفَنَاءُ ) .
هكذا مختصرا ، وهو أيضا حديث ضعيف ، لجهالة الراوي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . ينظر : "السلسلة الضعيفة للألباني" (10/381) .
وينظر أيضا للفائدة : "العراق في أحاديث الفتن" (374-375) .

وقوله : ( تغشى العراق ) يعني: تنزل بالعراق ، وتصيب أهل العراق، حتى تعمّهم ، مِن غشي الشيءَ: إذا لابسه ، والغشاء: الغطاء، وقال تعالى : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ ) الدخان/ 10- 11 ، يعني : يعمهم .
"تفسير السعدي" (ص771).
ومن أسماء القيامة: الغاشية ، سميت بذلك لأنها تغشى الناس وتعمهم .
"تفسير ابن كثير" (8/384) .

أما فتنة الدهيماء ، فقد ورد فيها حديث عبدِ الله بنِ عُمَر قالَ : " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُعُودًا فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ ذِكْرَهَا ، حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ ، فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ ؟ قَالَ : ( هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ ، دَخَلُهَا - أَوْ : دَخَنُهَا - مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ الْمُتَّقُونَ ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ انْقَطَعَتْ تَمَادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ : فُسْطَاطُ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطُ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، إِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ الْيَوْمِ أَوْ غَدٍ ) .
رواه أبو داود ( 4242 ) ، وأحمد ( 6168) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
انظر شرحه في الفتوى رقم: (118597) .

ولا شك أننا في زمان الفتن واختلاط الأمور، فيحصل الهرج والقتل ، ويفتن الناس في دينهم، ويتسلط أعداء الله على عباده المسلمين، وعلى ديارهم وبلادهم ، وقد وقع بأهل الشام وأهل العراق من الفتن ما هو معلوم .
ولكننا لا نستطيع أن نقطع أن هذه هي فتنة الدهيماء التي ورد بها الحديث ؛ لأنه ما زال بالأمة خير كثير، ففيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطلب العلم وتحصيله ونشره ، فلا ينبغي لأحد أن ييأس ، ويظن أن هذا هو زمان الفتن الذي يسبق قيام الساعة، ولا أمل للناس بعده ، فهذا قول غير صحيح ، وتنزيل للأحاديث على غير الواقع ، وفيه يأس وإحباط ، وانصراف عن التوكل على الله وحسن الظن به .
نسأل الله أن يرفع البأس والشدة والفتنة عن بلاد المسلمين .
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب