الجمعة 17 شوّال 1445 - 26 ابريل 2024
العربية

حكم المسلم الذي حصّل سببا للوقاية من النار وسببا للمنع من دخول الجنة.

270686

تاريخ النشر : 11-03-2018

المشاهدات : 5722

السؤال

في الحديث (ما من امرئ مسلم يرد عن عرض أخيه إلا كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة ) ، وحديث آخر : (لا يدخل الجنة قاطع رحم ) فإن كان رجل مسلم رد عرض أخيه وهو في نفس الوقت قاطع رحم ، هل يدخل الجنة أو النار كيف نجمع بين الحديثين ؟

ملخص الجواب

نصوص الوعد بدخول الجنة ، على عمل من الأعمال : تدل على أن هذا العمل المعين "سبب لدخول الجنة" ؛ وقد يترتب على هذا السبب مسببه ، فيدخل الجنة ابتداء ، لأنه ليس هناك مانع من تأثير هذا السبب . وقد يكون هناك مانع أتى به الشخص المعين ، من كفر ، أو فسق ، أو نحو ذلك ؛ فبحسبه . فإن كان من عصاة الموحدين : فقد يعفو الله عنه ابتداء ، ويدخل الجنة ، ويتحقق فيه الوعد المذكور . وقد يتمانع السبب المقتضي للدخول ، مع المانع ، حتى تكون الموازنة بين الأعمال ، أو يشفع فيه الشافعون ، أو نحو ذلك ، مما سبق بيانه .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

أما أحاديث الوعيد ، بأن من فعل كذا : دخل النار ، أو فله عذاب كذا في جهنم ، ونحو ذلك : فهذه الأحاديث تدل على أن من عمل هذا العمل المعين ، فهو من أهل الوعيد ، الذين يستحقون ، بعملهم ، ما جاء في حقهم من الوعيد .

غير أن هذا الوعيد : لا يلحق بالضرورة واللزوم كل من فعل هذا الفعل المعين ؛ وهذه هي مسألة : "موانع لحوق الوعيد" .

يعني : أنه قد يكون هناك من الأسباب ما يمنع تحقق الوعيد في الشخص المعين ، مع إتيانه بسببه ؛ فمن هذه الموانع : أن يتفضل الله عليه برحمة منه ، فيعفو عنه ، ولا يعذبه العذاب الذي يستحقه . وقد يعفو عنه بشفاعة الشافعين ، أو بتوبة ماحية ، أو بحسنات راجحة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" حيث قدر قيام الموجب للوعيد : فإن الحكم يتخلف عنه لمانع .

وموانع لحوق الوعيد متعددة : منها التوبة ، ومنها الاستغفار ، ومنها الحسنات الماحية للسيئات، ومنها بلاء الدنيا ومصائبها ، ومنها شفاعة شفيع مطاع ، ومنها رحمة أرحم الراحمين .

فإذا عدمت هذه الأسباب كلها ، ولن تعدم إلا في حق من عتا وتمرد ، وشرد على الله شراد البعير على أهله فهنالك يلحق الوعيد به .

وذلك أن حقيقة الوعيد : بيان أن هذا العمل سبب في هذا العذاب . فيستفاد من ذلك : تحريم الفعل ، وقبحه .

أما أن كل شخص قد قام به ذلك السبب ، يجب وقوع ذلك المسبب به : فهذا باطل قطعا ؛  لتوقف ذلك المسبب على وجود الشرط ، وزوال جميع الموانع " . انتهى من "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" (39-40) .

وينظر جواب السؤال رقم : (218149) .

ثانيا :

وأما أحاديث الوعد بالنجاة من النار ، أو بدخول الجنة ، أو الوعد بثواب خاص في الجنة ، أو نحو ذلك فهي كأحاديث الوعيد أيضا ، يتوقف استحقاقها على حصول شروط ، وانتفاء موانع، وإن كان لا يلزم من ذلك أن تذكر هذه الشروط والموانع في كل نص يذكر فيه الوعد أو الوعيد .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  "مجموع الفتاوى" (12/483-484) :

" فإن الله قد بين بنصوص معروفة :

أن الحسنات يذهبن السيئات ، وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، وأنه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، وأن مصائب الدنيا تكفر الذنوب ، وأنه يقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر ، وأنه لا يغفر أن يشرك به ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .

كما بين أن الصدقة يبطلها المن والأذى ، وأن الربا يبطل العمل ، وأنه إنما يتقبل الله من المتقين؛ أي : [المتقين] في ذلك العمل ، ونحو ذلك.

فجعل للسيئات ما يوجب رفع عقابها ، كما جعل للحسنات ما قد يبطل ثوابها .

لكن ليس شيء يبطل جميع السيئات ، إلا التوبة .

كما أنه ليس شيء يبطل جميع الحسنات ، إلا الردة.

وبهذا تبين أنا نشهد بأن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، على الإطلاق والعموم ؛ ولا نشهد لمعين أنه في النار؛ لأنا لا نعلم لحوق الوعيد له بعينه؛ لأن لحوق الوعيد بالمعين مشروط بشروط ، وانتفاء موانع ؛ ونحن لا نعلم ثبوت الشروط وانتفاء الموانع في حقه .

وفائدة الوعيد : بيان أن هذا الذنب سبب مقتض لهذا العذاب ، والسبب قد يقف تأثيره على وجود شرطه وانتفاء مانعه.

يبين هذا: أنه قد ثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها .

وثبت عنه في صحيح البخاري عن عمر أن رجلا كان يكثر شرب الخمر فلعنه رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله " .

فنهى عن لعن هذا المعين ، وهو مدمن خمر؛ لأنه يحب الله ورسوله . وقد لعن شارب الخمر على العموم" انتهى .

وقال شيخ الإسلام أيضا ، "مجموع الفتاوى" (6/427) :

" فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ: مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، مَنْ فَعَلَ كَذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ مُقْتَضَاهُ لِكُفْرِ أَوْ فِسْقٍ.

فَمَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الظُّهْرِ ، أَوْ زَنَى أَوْ سَرَقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، كَانَ فَاسِقًا ؛ وَالْفَاسِقُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْوَعْدِ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ، كَالْكَافِرِ .

وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الْوَعِيدِ إذَا قِيلَ: مَنْ فَعَلَ كَذَا دَخَلَ النَّارَ؛ فَإِنَّ الْمُقْتَضَى يَتَخَلَّفُ عَنْ التَّائِبِ ، وَعَمَّنْ أَتَى بِحَسَنَاتِ تَمْحُو السَّيِّئَاتِ ، وَعَنْ غَيْرِهِمْ ... " انتهى .

وينظر أيضا للفائدة ، من كلام شيخ الإسلام : "مجموع الفتاوى" (7/678) ، (11/648) .

والحاصل :

أن نصوص الوعد بدخول الجنة ، على عمل من الأعمال : تدل على أن هذا العمل المعين "سبب لدخول الجنة" ؛ وقد يترتب على هذا السبب مسببه ، فيدخل الجنة ابتداء ، لأنه ليس هناك مانع من تأثير هذا السبب .

وقد يكون هناك مانع أتى به الشخص المعين ، من كفر ، أو فسق ، أو نحو ذلك ؛ فبحسبه .

فإن كان من عصاة الموحدين : فقد يعفو الله عنه ابتداء ، ويدخل الجنة ، ويتحقق فيه الوعد المذكور .

وقد يتمانع السبب المقتضي للدخول ، مع المانع ، حتى تكون الموازنة بين الأعمال ، أو يشفع فيه الشافعون ، أو نحو ذلك ، مما سبق بيانه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب