الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

هل يجوز الهمز ( الغمزة ) في الإسلام ؟

273264

تاريخ النشر : 16-07-2017

المشاهدات : 40539

السؤال

هل يجوز الهمز ( الغمزة ) في الإسلام ؟

الجواب

الحمد لله.

الغمز بالعين يختلف حكمه باختلاف المقصد منه ، فقد يكون مباحا وقد يكون محرما ، وبيان ذلك :

* إذا قصد بالغمز بالعين احتقار الشخص أو الاستهزاء به والسخرية منه ، أو التكبر عليه ، أو سبه والطعن فيه ، فالغمز حينئذ محرم .

قال الله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) الهمزة/1 .

والهمز واللمز بمعنى واحد ، وهو الطعن والعيب في الناس .

ولكن فرق بينهما بعض العلماء ، بأن الهمز أشد ، وفرق آخرون بأن اللمز يكون باللسان ، والهمز يكون بالفعل ، كالإشارة بالرأس أو اليد أو الغمز بالعين .

قال ابن القيم رحمه الله في "أقسام القرآن" (ص 52):

"(ويل لكل همزة لمزة ) فإن الهَمْزَة واللَّمْزَة : من الفخر ، والكبر" انتهى .

وقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ   :

"قَوْلُهُ: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) هُوَ الطَّعَّانُ الْعَيَّابُ ، كَمَا قَالَ: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) ، وَقَالَ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) ، وَقَالَ: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وَالْهَمْزُ: أَشَدُّ" انتهى . مجموع الفتاوى (16/521) :

وقال الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (7/472(:

"وقد أوعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله : ( ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) [ الهمزة : 1 ] ، والهُمَزَةُ كثير الهمز للناس ، واللُّمَزة : كثير اللمز .

وقال بعض العلماء : الهمز يكون بالفعل ، كالغمز بالعين احتقاراً وازدراء ، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة" انتهى  .

وقال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 80، 924):

(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز: بالقول، والهمز: بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار، كما قال تعالى: ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله" انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

"والصحيح في هذه الآية: (ويل لكل همزة لمزة) أن بينهما فرقاً: فالهمز بالفعل ، واللمز باللسان، كما قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) [التوبة:58] .

الهمز بالفعل ، يعني: أنه يسخر من الناس بفعله، إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه، أو ما أشبه ذلك، أو بالإشارة يشير إلى شخص يقول: انظروا إليه ليعيبه، أو ما أشبه ذلك.

فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان" انتهى من "تفسير جزء عم" (ص315) .

* وقد يقصد بالغمز بالعين الغدر والخيانة ، فيكون محرما أيضا ، كما لو وقف مع شخص يكلمه وقد أعطاه الأمان ، ثم يغمز بعينه في خفاء إلى من يؤذي ذلك الشخص بالاعتداء عليه ، بالقول أو بالفعل، أو بأخذ ماله ونحو ذلك . وهذا قد فسَّر به قوله تعالى : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُن) .

أي الخيانة التي تكون بالعين .

قال الفيومي "المصباح المنير" (ص 148) :

" (خَائِنَةُ الأعين) قيل : هي كسر الطرف بالإشارة الخفية" انتهى .

وقال الخطابي رحمه الله في "معالم السنن" (1/287) :

"ومعنى "خائنة الأعين" أن يضمر بقلبه غير ما يظهره للناس ، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه ، إلى خلاف ذلك فقد خان ، وكان ظهور تلك الخيانة من قبل عينيه ، فسميت خائنة الأعين" انتهى .

فإذا كان ذلك الشخص يستحق العقاب فعلا ، ولم يكن قد أعطاه الأمان ، فالغمز بالعين إلى من يعاقبه مباح في هذه الحالة ، إلا أن ذلك كان محرما على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لسببين :

  1. أن النبي صلى الله عليه وسلم لكمال حاله : يجب أن يستوي ظاهره وباطنه مع من يعامله مع الناس .
  2. أن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وإشاراته تشريع ، ولا ينبغي للنبي صلى الله عليه وسلم أن تكون تشريعاته بإشارات غامضة لا يتفطن لها إلا آحاد الناس .

وفي هذا جاء الحديث الذي رواه أبو داود (2683) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ، إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، وَسَمَّاهُمْ ، وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ :

وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ : فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ ، جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلَاثًا ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى ، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : (أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ؟) فَقَالُوا : (مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ ، أَلَا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ : (إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ) .

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/352) :

"مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ" انتهى .

وقال أيضا (9/11) :

"وَقَالَ الْكرْمَانِي : معنى (يعلم خَائِنَة الْأَعْين) أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ النَّظْرَةَ الْمُسْتَرِقَةَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ ، وَأَمَّا خَائِنَةُ الْأَعْيُنُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ ، فَهِيَ الْإِشَارَةُ بِالْعَيْنِ إِلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ ، لَكِنْ عَلَى خِلَافِ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (2/219) :

"فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَوِي ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ ، لَا يُظْهِرُ لِلنَّاسِ خِلَافَ مَا يُبْطِنُهُ " انتهى .

وقال أيضا (12/249) :

"وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي اسْتِوَاءِ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ ، وَسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يُبْطِنُ خِلَافَ مَا يُظْهِرُ عَلَى عَادَةِ الْمَكَّارِينَ الْمُنَافِقِينَ" انتهى .

وقال ابن القيم في "زاد المعاد" (3/408( :

"وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ) ، أَيْ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ، وَلَا سِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ، وَإِذَا نَفَذَ حُكْمُ اللَّهِ وَأَمْرُهُ لَمْ يُومِ بِهِ، بَلْ صَرَّحَ بِهِ، وَأَعْلَنَهُ، وَأَظْهَرَهُ" انتهى .

وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي في شرحه لسنن النسائي : "ومن فوائد الحديث : (21/405) :

"أن شأن الأنبياء أرفع، وأنبل من أن يعاملوا أممهم معاملة الملوك والأمراء، وسائر الناس، حيث تكون لهم خائنة الأعين، ويعاملون الناس بالطرق الخفيّة التي لا يهتدي إليها إلا بعض الحذّاق، والنبهاء" انتهى .

وقال النووي "تهذيب الأسماء واللغات" (1/47) :

"وحرم عليه خائنة الأعين، وهى الإيماء برأس أو يد أو غيرهما ، إلى مباح ، من قتل أو ضرب أو نحوها، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال" انتهى .

*ومن الغمز بالعين المحرم : ما يفعله بعض الفسقة من الجنسين من الإشارة بالعين إلى شيء من التحرش أو التواصل المحرم بين رجل وامرأة أجنبية عنه .

*ومن الغمز بالعين المباح : أن ينبه الإنسان بهذا ولده أو صديقه أو شخصا ما ، على خطأ يفعله ، حتى يكف عنه ، ولا يريد أن يصرح بذلك أمام الناس حتى لا يوقعه في حرج ، أو ما أشبه ذلك .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب