السبت 3 ذو القعدة 1445 - 11 مايو 2024
العربية

تعلق بفتاة وأنفق عليها أموالاً ثم تركته ، فماذا يفعل ؟

275850

تاريخ النشر : 01-01-2018

المشاهدات : 37499

السؤال

لقد أحببت فتاة ، وصارحتها بذلك ، وأردت منها أن تصبر معي حتى أتمكن من توفير مصاريف الزواج الكافية ، فوافقت ، وبقينا معا لمدة خمسة أشهر تقريبا دون علم أحد ، وخلال هذه الفترة كنا نتحدث فقط عبر الفيسبوك ، وأراها فقط من حين إلى آخر عندما تطلب مني أن احضر لها أموالا ، فأنا كنت أعتبر نفسي وصيا عليها ؛ لأنني أحبها بصدق ، والله على ذلك شهيد ، فأعمل في مهن شاقة ، وأقترض الأموال من الناس ، وأبيع أغراضي الشخصية ، كالهاتف ، والحاسوب ؛ لتكون سعيدة معي ، ومقابل أن نخرج لنتعرف على بعضنا البعض ، لكنها كانت دائما ترفض بعدة حجج متنوعة ، وكانت الصدمة عندما اكتشفت أنها تخرج مع أولاد آخرين كل على حدة ، لقد خانتني بعدما ضحيت بالكثير من أجلها ، وكان مقابل المعروف هو نكران الجميل ، وعدم الاعتراف به رغم أنني رسمت الفرحة على وجهها مرات عديدة ، لقد كسرت قلبي رغم أنني طلبت منها الاعتذار أكثر من مرة ، وقلت لها : إنني مستعد لأسامحها إن خرجت معي ليوم واحد ؛ حتى تبقى لي ذكرى جميلة معها ، لكن كبريائها حال دون ذلك ، فأشعر أنها تحتقرني ؛ لأنني لست جميلا جدا ـ والحمد لله على كل حال ـطبعا ـ لكن عندما يحتقرك شخص عزيز عليك ستشعر بمذلة كبيرة ، نعم مختصر الكلام أنها استغلتني ، واستغلت طيبتي ، وحتى إنها تحدثت عني بالسيء ، والمشكلة صدقوني أنها ليست في الأموال ، بل تهون على نفسي عندما أكتشف أنني أحبها كل يوم ، ومستعد أن أضحي بأكثر من ذلك لأجلها ، وهي الآن مخطوبة ، وتبدو سعيدة ، وأنا لا أحسدها ، بل أتمنى لها كل السعادة من قلبي ، لكن عدم اعتذارها لي بشكل لائق وكسر عواطفي و مشاعري يجعلاني أتساءل هل يسامحها الله بعد أن فعلت بي كل هذا ؟ هل من المعقول أن أكون أنا المخطئ ، إنني في حيرة من أمري ، رغم أنني أتمنى أن تعود لي يوما فما الحل ؟

الجواب

الحمد لله.

ينبغي أن تعلم أنك أنت الملوم ، في كل ما حصل ؛ فلقد فتحت على نفسك بهذا التواصل المحرم بابا عظيما من أبواب الفتنة والألم النفسي وضيق الصدر.

وقد رأيت بنفسك ما آل إليه أمر ذلك التواصل ، وتلك العلاقة من الألم ، والحسرة ، وضيق الصدر ، مع ما فيه من معصية لرب العالمين .

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/24) :

" وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ، فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ، وَسُجِنَ قَلْبُهُ فِي مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَمَا فِي الْأَرْضِ أَشْقَى مِنْهُ، وَلَا أَكْسَفُ بَالًا، وَلَا أَنْكَدُ عَيْشًا، وَلَا أَتْعَبُ قَلْبًا .

فَهُمَا مَحَبَّتَانِ، مَحَبَّةٌ هِيَ جَنَّةُ الدُّنْيَا، وَسُرُورُ النَّفْسِ، وَلَذَّةُ الْقَلْبِ، وَنَعِيمُ الرُّوحِ وَغِذَاؤُهَا وَدَوَاؤُهَا، بَلْ حَيَاتُهَا وَقُرَّةُ عَيْنِهَا، وَهِيَ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ بِكُلِّ الْقَلْبِ، وَانْجِذَابُ قُوَى الْمَيْلِ وَالْإِرَادَةِ، وَالْمَحَبَّةُ كُلُّهَا إِلَيْهِ.

وَمَحَبَّةٌ هِيَ عَذَابُ الرُّوحِ، وَغَمُّ النَّفْسِ، وَسِجْنُ الْقَلْبِ، وَضِيقُ الصَّدْرِ، وَهِيَ سَبَبُ الْأَلَمِ وَالنَّكَدِ وَالْعَنَاءِ، وَهِيَ مَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ سُبْحَانَهُ" . انتهى .

 وقال رحمه الله أيضا ، كما في إغاثة اللهفان (1/40) :

" من أحب شيئا سوى الله عز وجل : فالضرر حاصل له بمحبوبه: إن وجد وإن فقد !!

فإنه إن فقده : عذب بفراقه ، وتألم على قدر تعلق قلبه به .

وإن وجده كان ما يحصل له من الألم قبل حصوله، ومن النكد في حال حصوله، ومن الحسرة عليه بعد فوته = أضعاف ، أضعاف ما في حصوله له من اللذة !

فَمَا في الأرْضِ أَشْقَى مِنْ مُحِبٍّ ... وَإِنْ وَجَدَ الهَوَى حُلْوَ المذَاقِ

تَرَاهُ بَاكِيًا في كلِّ حَالٍ * مَخَافَةَ فُرْقةٍ، أَوْ لاشْتِياقِ

فَيَبْكِى إنْ نَأَوْا، شَوْقاً إلَيْهِمْ * وَيَبْكِى إِنْ دَنَوْا، حَذرَ الْفِرَاقِ

فَتَسْخنُ عَيْنُهُ عِنْدَ التَّلاقى ... وَتَسْخنُ عَيْنُهُ عِنْدَ الْفِرَاقِ

وهذا أمر معلوم بالاستقراء والاعتبار والتجارب .

ولهذا قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، في الحديث الذى رواه الترمذي وغيره : ( الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها ؛ إلا ذكر الله وما والاه ) .

فذِكْره: جميع أنواع طاعته ؛ فكل من كان في طاعته ، فهو ذاكره، وإن لم يتحرك لسانه بالذكر. وكل من والاه الله ، فقد أحبه وقربه؛ فاللعنة لا تنال ذلك إلا بوجهه، وهى نائلة كل ما عداه "انتهى.

ولمزيد التأمل في التعلق المحرم وتوابعه وما إليه انظر الجواب رقم (82941).

وحينئذ ، فالأدب الشرعي ، بل والعقل السليم أيضا ، والقول النصيح لك :

أن تطوي هذه الصفحة عنك ، بكل ما فيه ، من مرارة ، وحسرة ، وألم .

وأن تقبل على الله عز وجل ، وتتوب إليه ، مما ألممت به ، وما فتحت على نفسك من أبواب الغم والنكد ، ومعصية رب العالمين .

ثم تقبل على ما ينفعك في أمر دينك ودينك .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :

( الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ .

احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ .

وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلاَ تَعْجِزْ .

وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ ، فَلاَ تَقُلْ : لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ ، كَانَ كَذَا وَكَذَا.

وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ  ) . رواه مسلم ( 2664 ) .

قال ابن القيم رحمه الله :

" فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان :

أحدها : أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة ، وأنه يحب حقيقة .

الثاني : أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها ؛ فهو القوي ويحب المؤمن القوي ، وهو وتر يحب الوتر ، وجميل يحب الجمال ، وعليم يحب العلماء ، ونظيف يحب النظافة ، ومؤمن يحب المؤمنين ، ومحسن يحب المحسنين ، وصابر يحب الصابرين ، وشاكر يحب الشاكرين .

ومنها : أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض .

 ومنها : أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ، فإذا صادف ما ينتفع به الحريص : كان حرصه محمودا ، وكماله كله في مجموع هذين الأمرين : أن يكون حريصا ، وأن يكون حرصه على ما ينتفع به ؛ فإن حرص على مالا ينفعه ، أو فعل ما ينفعه بغير حرص : فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك ؛فالخير كله في الحرص على ما ينفع.

ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه : أمره أن يستعين به ، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين ؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ، ولا تتم إلا بمعونته ؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به .

ثم قال : " ولا تعجز" ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله ؛ فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أَزِمَّة الأمور بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه .

فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له : فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى " لو " ؛ ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ؛ فنهاه صلى الله عليه و سلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قُدر له لم يفُت ولم يغلبه عليه أحد ، فلم يبق له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور ، وإذا انتفت امتنع وجوده ؛ فلهذا قال : فإن غلبك أمر فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ؛ فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبه ، وحالة فواته ؛ فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا ، بل هو أشد شيء إليه ضرورة ، وهو يتضمن إثبات القدر ، والكسب والاختيار ، والقيام والعبودية ظاهرا وباطنا ، في حالتي حصول المطلوب وعدمه ، وبالله التوفيق . " انتهى كلامه رحمه الله . من شفاء العليل (18-19) .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (85362) ورقم (115129).

وليكن أعظم زاد لك في النجاة مما أنت فيه من الوهن ، والهم ، والظفر بمطلوبك من النجاح ، والسعي النافع لخير الدينا والآخرة : أن تستعين بمولاك ، وتفتقر إليه ، وتحسن التوكل عليه سبحان ، وتكثر من قول : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) ؛ فإنها كنز من كنوز الجنة .

قال ابن رجب رحمه الله :

" والله سبحانه يحبّ أنْ يُسأل ، ويُرْغَبَ إليه في الحوائج، ويُلَحَّ في سؤاله ودُعائه . ويَغْضَبُ على من لا يسأله، ويستدعي مِنْ عباده سؤاله . وهو قادر على إعطاء خلقه كُلِّهم سُؤْلَهم من غير أنْ يَنْقُصَ من ملكه شيء .

والمخلوق بخلاف ذلك كله: يكره أنْ يُسأل، ويُحبُّ أنْ لا يُسألَ، لعجزه وفقره وحاجته.

ولهذا قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك: ويحك، تأتي من يُغلِقُ عنك بابَه، ويُظهِرُ لك فقرَه، ويواري عنك غناه، وتَدَع من يفتحُ لك بابه بنصف الليل ، ونصف النهار، ويظهر لك غناه، ويقول: ادعني أستجب لك؟!

وقال طاووس لعطاء: إياك أنْ تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ، ويجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أنْ تسأله، ووعدك أنْ يُجيبك .

وأما الاستعانة بالله - عز وجل - دونَ غيره من الخلق؛ فلأنَّ العبدَ عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضارّه، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله - عز وجل -، فمن أعانه الله، فهو المُعانُ، ومن خذله فهو المخذولُ، وهذا تحقيقُ معنى قول: (لا حول ولا قُوَّةَ إلا بالله) ، فإنَّ المعنى: لا تَحوُّلَ للعبد مِنْ حال إلى حال، ولا قُوَّة له على ذلك إلا بالله .

وهذه كلمةٌ عظيمةٌ، وهي كنز من كنوز الجنة، فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلِّها ، في الدنيا ، وعندَ الموت ، وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة .

ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله - عز وجل -، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله ، أعانه. وفي الحديث الصحيح عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( احرصْ على ما ينفعُكَ ، واستعن بالله ولا تعجزْ) .

ومن ترك الاستعانة بالله، واستعان بغيرِه، وكَلَهُ الله إلى من استعان به ، فصار مخذولاً.

كتب الحسنُ إلى عُمَرَ بنِ العزيز: لا تستعِنْ بغيرِ الله، فيكِلَكَ الله إليه.

ومن كلام بعضِ السَّلف: يا ربِّ عَجبت لمن يعرفُك ، كيف يرجو غيرك، عجبتُ لمن يعرفك كيف يستعينُ بغيرك." انتهى، من "جامع العلوم والحكم" (2/572-573) .

وينظر للفائدة أيضا جواب السؤال رقم (172290) ورقم (220995).

 والنصيحة لك أن تبحث عن الزوجة الصالحة المناسبة لك ، وأن تبادر إلى إعفاف نفسك بالزواج ، بأسرع ما تتمكن منه .

يسر الله لك أمرك ، وشرح صدرك ، وكشف همك وغمك ، وأبدلك خيرا مما فات منك .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب