الجمعة 17 شوّال 1445 - 26 ابريل 2024
العربية

هل يجبر أداء السنن ونوافل العبادات ، ما فات الإنسان ، أو قصر فيه من الفرائض ؟

286098

تاريخ النشر : 24-01-2018

المشاهدات : 44036

السؤال

هل يجبر أداء السنن ونوافل العبادات ، ما فات الإنسان ، أو قصر فيه من الفرائض ؟

الجواب

الحمد لله.

بالنسبة لجبر النقص في الفرائض يوم القيامة ، فقد جاء في الحديث الصحيح ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه قَالَ :( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ ) .

أخرجه أبو داود في "سننه" (864) ، والترمذي في "سننه" (413) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (810) .

وكذلك جاء من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ ، فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا كُتِبَتْ لَهُ كَامِلَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْمَلَهَا قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ، فَأَكْمِلُوا بِهَا مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَتِهِ ، ثُمَّ الزَّكَاةُ ، ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ ) .

أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (16954) ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (812) .

وهنا مسألتان :

المسألة الأولى : هل تجبر النوافل فريضة تركها العبد ، أو ترك شيئا من فرائضها عمدا ، أم فقط فيما تركها سهوا ؟

قال ابن رجب في "فتح الباري" (5/144) :" واختلف الناس في معنى تكميل الفرائض من النوافل يوم القيامة:

فقالت طائفة: معنى ذلك : أن من سها في صلاته عن شيء من فرائضها أو مندوباتها، كمل ذلك من نوافله يوم القيامة ، وأما من ترك شيئاً من فرائضها أو سننها عمداً ، فإنه لا يكمل له من النوافل ؛ لأن نية النفل لا تنوب عن نية الفرض.

هذا قول عبد الملك بن حبيب المالكي وغيره.

وقالت طائفة: بل الحديث على ظاهره في ترك الفرائض والسنن، عمداً وغير عمد.

وإليه ذهب الحارث المحاسبي وغيره.

وهو قول طائفة من أصحابنا وابن عبد البر ، إلا أنهم خصوه بغير العامد.

وحمله آخرون على العامد وغيره ، وهو الأظهر - إن شاء الله تعالى ". انتهى

المسألة الثانية : أي شيء من النوافل يجبر الفريضة ؟

وهنا ثلاث احتمالات :

الاحتمال الأول : نفل ذلك الفرض بعينه ، أي سنة الظهر ، لجبر النقص في فريضة الظهر ، وهكذا .

الاحتمال الثاني : نفل العبادة من جنسها ، أي نفل الصلاة لجبر النقص في فريضة الصلاة مطلقا ، ونفل الصدقة لجبر النقص في فريضة الزكاة ، وهكذا .

وظاهر الحديث السابق أن نفل العبادة ، سواء كان للفرض بعينه ، أو من جنسه : أنه يجبر النقص في الفريضة ، من جنس هذه الطاعة .

قال القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/997) :" ( هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطُوِّعٍ؟ ) : فِي صَحِيفَتِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ ، أَيْ: سُنَّةٍ ، أَوْ نَافِلَةٍ ، مِنْ صَلَاةٍ ، عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ ، قَبْلَ الْفَرْضِ ، أَوْ بَعْدَهُ ، أَوْ مُطْلَقًا ". انتهى

وقال المظهري في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/306) :" قوله: "ثم يكونُ سائرُ عَمَلِه على ذلك" ؛ يعني كذلك الصوم ، إن تركَ شيئًا من الصيام الواجِب ، يؤخذ بدلَه ما صام من السُّنَّة والنوافل ، وإن ترك شيئًا من الزكاة ، يؤخذ بدلَها ما أعطى من الصدقات ". انتهى

الاحتمال الثالث : أن التطوع ، ولو من غير جنس الفريضة ، يكمل نقص الفرائض ، مطلقا .

وعلى ذلك: فإنه يُجبر النقص في فريضة الصلاة بنافلة الصيام أو الصدقة مثلا ؟

وهذا القول قد ذكره أبو القاسم العبادي رحمه الله ، من الشافعية ، احتمالا.

قال العبادي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (2/219) :" ( قَوْلُهُ: وَشُرِعَ لِتَكْمِيلِ نَقْصِ الْفَرَائِضِ إلَخْ ) عِبَارَةُ الْعُبَابِ : " وَإِذَا انْتَقَصَ فَرْضُهُ ، كَمَّلَ مِنْ نَفْلِهِ . وَكَذَا بَاقِي الْأَعْمَالِ " .اهـ .

وَقَوْلُهُ " نَفْلِهِ " : قَدْ يَشْمَلُ غَيْرَ سُنَنِ ذَلِكَ الْفَرْضِ ، مِنْ النَّوَافِلِ ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْحَدِيثِ ( فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا ، قَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ : اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ ؟ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ) .

بَلْ قَدْ يَشْمَلُ هَذَا تَطَوُّعًا ، لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْفَرِيضَةِ ؛ فَلْيُتَأَمَّلْ ". انتهى

فقوله :" بل قد يشمل هذا تطوعا ليس من جنس الفريضة " ، يفيد بأن التطوع ، مطلقا : يجبر النقص في الفرائض ، مطلقا ، وليس ببعيد عن رحمة الله عز وجل .

إلا أن أظهر الأقوال في هذه المسألة ، وأقربها من ظاهر الحديث ، هو الاحتمال الثاني : أن نفل العبادة من جنسها ، أي نفل الصلاة لجبر النقص في فريضة الصلاة مطلقا ، ونفل الصدقة لجبر النقص في فريضة الزكاة ، وهكذا .

وعلى كل حال ؛ فينبغي على العبد ألا يتساهل في أداء الفرائض ، أو قضائها ، معتمدا على النوافل ، لأن كثيرا من أهل العلم لا يرون جبران النوافل لما ترك عمدا من الفرائض كما تقدم ، ولأن مناط الأمر كله على القبول ؛ فمن أدراه أن الله يقبل منه نفله ، وقد ضيع فريضته ؟!!

وقد قال الله عز وجل ، في حديثه القدسي الشريف : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ) رواه البخاري (6502) .

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (49698).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب