الحمد لله.
أولاً :
لا شك أن قضاء الدين عن الميت أمر مشروع ، وفيه إحسان إلى الميت .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام إذا أُتِي بالميت ليصلي عليه ؛ سأل : هل عليه دين ؟ فإن أُخبر أن عليه دينًا ، لم يُصِلِّ عليه ، وقال لأصحابه : ( صلوا على صاحبكم ) رواه البخاري (2295) .
فلما وسع الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، صار يتحمل الدين عن الميت الذي ليس له وفاء ، ويصلي عليه ، فقد جاء في البخاري (2297) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ ) ، فدل هذا على مشروعية قضاء الدين عن الميت .
ثانياً :
اختلف العلماء في جواز قضاء دين الميت من الزكاة ، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقضى دين الميت من الزكاة ، وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وانظر "مجموع الفتاوى" (25/80) .
وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يقضى دين الميت من الزكاة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/281) : " قَالَ الإمام أَحْمَدَ لا يُكَفَّنُ الْمَيِّتُ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَلَا يُقْضَى مِنْ الزَّكَاةِ دَيْنُ الْمَيِّتِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا فِي قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْغَارِمَ هُوَ الْمَيِّتُ وَلَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ إلَيْهِ , وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى غَرِيمِهِ صَارَ الدَّفْعُ إلَى الْغَرِيمِ لَا إلَى الْغَارِمِ " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "روضة الطالبين" (2/320) : " الأصح الأشهر أنه لا يقضى دين الميت من سهم الغارمين " انتهى بتصرف .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : شخص توفي وعليه دين ، وليس وراءه من يستطيع سداده ، فهل يجوز أن يسدد هذا الدين من الزكاة ؟
فأجاب : " لا يجوز أن يسدد دين الميت من الزكاة، ولكن إذا كان قد أخذه بنية الوفاء فإن الله يؤديه عنه " انتهى ."مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/377) .
وقال أيضاً في "الشرح الممتع" (6/236) : " لا يقضى دين الميت من الزكاة لأمور ثلاثة :
أولاً : أن الظاهر من إعطاء الغارم أن يزال عنه ذل الدين .
ثانياً : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يقضي ديون الأموات من الزكاة ، فكان يؤتى بالميت وعليه دين فيسأل صلّى الله عليه وسلّم هل ترك وفاء ؟ فإن لم يترك لم يصل عليه وإن قالوا : له وفاء ، صلى عليه ، فلما فتح الله عليه وكثر عنده المال صار يقضي الدين بما فتح الله عليه عن الأموات ، ولو كان قضاء الدين عن الميت من الزكاة جائزاً لفعله صلّى الله عليه وسلّم .
ثالثاً : أنه لو فتح هذا الباب لعطل قضاء ديون كثير من الأحياء ؛ لأن العادة أن الناس يعطفون على الميت أكثر مما يعطفون على الحي ، والأحياء أحق بالوفاء من الأموات " انتهى بتصرف.
والله أعلم .
تعليق