الحمد لله.
فابن أبي حاتم هو الإمام عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر الرازي نسبة إلى بلدة كبيرة يقال لها الري من بلاد الديلم في المشرق .
ولد سنة أربعين و مائتين (240) هجرية ، كان إماما من أئمة أهل السنة وله مؤلفات في الدفاع عن عقيدة أهل السنة و الذب عنها حوى علوما شتى ، وأثنى عليه الأئمة بالعلم والعبادة ، فقد كان بحرا من بحار العلم كأبيه ، رحمهما الله !
قال عنه الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء (13/246) : ( كان من العبادة والزهد والورع والحفظ على جانب كبير ) .
أما تفسيره فإنه من التفاسير النافعة التي امتازت بتفسير القرآن بالسنة و آثار الصحابة والتابعين ، مع رواية ذلك عنهم بالأسانيد .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذلك التفسير ، غير مرة ، ضمن تفاسير أهل العلم والسنة ، الذين ينقلون أقوالهم عن السلف : " بالأسانيد المعروفة ، كتفسير ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد وإسحاق ، وتفسير بقي بن مخلد وابن جرير الطبري ومحمد بن أسلم الطوسي وابن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر ، وغيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق ، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير " منهاج النسة (7/179) .
وقد صار تفسيره مرجعا للمفسرين بعده ؛ فابن كثير رحمه الله ينقل عنه الشيء الكثير ، وكذلك شيخ الإسلام بن تيمية في مجموع الفتاوى ، وابن حجر العسقلاني ، والسيوطي لخص تفسير ابن أبي حاتم وضمنه في تفسيره المعروف بالدر المنثور .
توفي رحمه الله سنة سبع وعشرين وثلاثمائة (327) هجرية بمدينة الري .
أما فخر الدين الرازي فقد قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 21/500) : " العلامة الكبير ذو الفنون فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني الأصولي المفسر ، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين ، ولد سنة أربع وأربعين وخمس مئة ، واشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري ، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقا وغربا ، وكان يتوقد ذكاء ، وقد سقت ترجمته على الوجه في تاريخ الإسلام .
وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم ، وسحر وانحرافات عن السنة ، والله يعفو عنه ، فإنه توفي على طريقة حميدة ، والله يتولى السرائر . مات بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مئة ، وله بضع وستون سنة .
وقد اعترف في آخر عمره حيث يقول : " لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلا ، ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن ؛ أقرأ في الإثبات : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ ) ، وأقرأ في النفي : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ؛ ومن جرّب مثل تجربتي ، عرف مثل معرفتي " انتهى .
وأما تفسيره ، فمع ما فيه من الفوائد والاستنباطات ، إلا أنه تطوح مع سوانح الفكر في كل واد ، وخلطه بكثير من الأقوال التي لا تناسبه الآية التي يفسرها ، وملأه بالمسائل الكلامية والعقلية ، حتى قال الإمام أبو حيان رحمه الله : " جمع في كتابه في التفسير أشياء كثيرة طويلة ، لا حاجة بها في علم التفسير . ولذلك حكي عن بعض المتظرفين من العلماء أنه قال : فيه كل شيء إلا التفسير ؟!!" البحر المحيط ، لأبي حيان (1/511) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ورأيت في الإكسير في علم التفسير للنجم الطوفي ما ملخصه : ما رأيت في التفاسير أجمع لغالب علم التفسير من القرطبي ومن تفسير الإمام فخر الدين ، إلا أنه كثير العيوب ؛ فحدثني شرف الدين النصيبي عن شيخه سراج الدين السرمياحي المغربي أنه صنف كتاب المآخذ في مجلدين ، بين فيهما ما في تفسير الفخر من الزيف والبهرج ، وكان ينقم عليه كثيرا ويقول : يورد شبه المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من التحقيق ، ثم يورد مذهب أهل السنة والحق على غايةٍ من الوهاء !! "
لسان الميزان ، للحافظ ابن حجر (4/427-428) .
وقال السيوطي رحمه الله : " وصاحب العلوم العقلية ، خصوصا الإمام فخر الدين ، قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشُبهها ، وخرج من شيء إلى شيء ، حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية .. " ، ثم ذكر كلام أبي حيان السابق . انظر : الإتقان في علوم القرآن (2/501) .
وانظر : التفسير والمفسرون ، للدكتور محمد حسين الذهبي ، رحمه الله (1/276-282) .
فخلاصة القول في تفسير الفخر الرازي : أنه لا ينبغي أن يعتني به إلا طالب علم متقدم ، يمكنه أن ينتفع بما فيه من فوائد، مع ترك ما قد حواه من بدع ، أو أقوال ومذاهب لا تناسب تفسير الآية التي يذكرها .
والله أعلم .
تعليق