الحمد لله.
قصة تأبير النخل حاصلها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما هاجر إلى المدينة رأى أهلها يؤبّرون النخل ( أي يلقحون إناث النخل بطلع ذكورها ) فقال لهم : " لو لم تفعلوا لصلح " فتركوه فشاص ( أي فسد وصار حمله شيصاً وهو رديء التمر ) فمرّ بهم فقال : " ما لنخلكم ؟ " قالوا : قلتَ كذا وكذا قال : " أنتم أعلم بأمر دنياكم " . رواه مسلم 4358
هذا الخبر إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأمور الدنيوية التي لا صلة لها بالتشريع تحليلاً أو تحريماً أو صحة أو فساداً ، بل هي من الأمور التجريبية ، لا تدخل تحت مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم كمبلّغ عن ربه ، بل هذا الحديث يدل على أن مثل هذه الأمور خاضعة للتجربة ، والرسول صلى الله عليه وسلم بهذا كان قدوة عملية لحثنا على أن الأمور الدنيوية البحتة التي لا علاقة لها بالتشريع ينبغي علينا أن نبذل الجهد في معرفة ما هو الأصلح من غيره ، وأن نبحث ونستكشف بإجراء التجارب وتحليل المشاهدات وغيرها سائر ما ينفعنا في مجالات التطوير والتحسين في أمور الزراعة والصناعة والبناء وغيرها وأنّ الأمر الذي سكتت فيه الشّريعة فلم تأت فيه بحكم معيّن فالعمل فيه مباح لنا بحسب الضوابط الشّرعية العامة كقاعدة لا ضرر ولا ضرار وهكذا .
وشتان بين هذه الحادثة ومدلولاتها وبين أن يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا حلال أو حرام ، أو أن هذا الأمر موجب للعقوبة أو غير موجب ، أو أن هذا البيع صحيح أو غير صحيح ، إلى آخر ذلك في أمور الدنيا والدين لأن هذه الصور من صلب وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أوجب الله علينا طاعته في كل ما يبلغ عن ربه . الموسوعة الفقهية 1/45
والذين يحاولون حصر الدّين في الشّعائر التّعبدية فقط كالصلاة والصيام والحجّ ويريدون عزل الدّين عن التحكّم في مجالات الحياة المختلفة كالمجال الاجتماعي والاقتصادي والسّياسي ويقولون إنّ هذا من شأن البشر يفعلون فيه ما يريدون ويحكمون ويشرّعون ما يشتهون ويشاؤون هم كفرة مجرمون لا يريدون أن يجعلوا لشريعة الله سلطانا على حياة النّاس ولا يريدون أن يضبط الإسلام شؤون البشر مع أنّ الله أنزله حاكما ومنظّما وضابطا لا تصلح الحياة إلا به ولا تحصل السّعادة إلا بحكمه ، والنّاس بدونه في تخبّط وضياع وظلم كما نشاهد اليوم في جميع المجتمعات التي لا تحكمها شريعة الله . نسأل أن يهدينا للحقّ ويفتح أبصارنا لمعرفته ويرزقنا قبوله واتّباعه ، وصلى الله على نبينا محمد .
تعليق