الحمد لله.
طاعة الله تعالى نور يضيء باطن العبد وظاهره ، وذلك من نور الله الذي ملأ السماوات والأرض ، فقد أحب سبحانه الخير والعبادة والاستقامة ، وألقى عليها من نوره وضيائه الذي يظهر في وجوه العباد بهجة وسرورا .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن للحسنة لنورا في القلب ، وضياء في الوجه ، وقوة في البدن ، وزيادة في الرزق ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة لظلمة في القلب ، وغبرة في الوجه ، وضعفا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق .
وهذا يوم القيامة يكمل حتى يظهر لكل أحد ، كما قال تعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) آل عمران/106-107 ...
وهذا أمر محسوس لمن له قلب ، فإن ما في القلب من النور والظلمة والخير والشر يسري كثيرا إلى الوجه والعين ، وهما أعظم الأشياء ارتباطا بالقلب .
ولهذا يروى عن عثمان أو غيره أنه قال : ما أسر أحد بسريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه .
وقد يقوى السواد حتى يظهر لجمهور الناس ، وربما مسخ قردا أو خنزيرا كما في الأمم قبلنا ، وكما في هذه الأمة أيضا ، وهذا كالصوت المطرب إذا كان مشتملا على كذب وفجور ، فإنه موصوف بالقبح والسوء الغالب على ما فيه من حلاوة الصوت " انتهى .
"الاستقامة" (1/351-352)
ولعل من أكثر الأعمال تأثيرا في نضارة الوجه ونوره قيام الليل وقراءة القرآن ، وتعليم الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما قيام الليل وقراءة القرآن فتجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى - واصفا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) الفتح/29
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ) يعني : السمت الحسن .
وقال السدي : الصلاة تحسن وجوههم .
وقال بعض السلف : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار .
وقال أمير المؤمنين عثمان : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صَفَحَات وجهه ، وفَلتَات لسانه .
والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله أصلح الله ظاهره للناس ، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من أصلح سريرته أصلح الله علانيته .
وقال مالك رحمه الله : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون : " والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا "
وصدقوا في ذلك ، فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة ، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى باختصار.
"تفسير القرآن العظيم" (7/361-362)
أما تعليم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فتجد ذلك في دعائه صلى الله عليه وسلم لمن يبلغ الناس كلامه بالنضارة ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ) رواه أبو داود (3660) والترمذي (2656) وقال : حديث حسن .
يقول سفيان بن عيينة رحمه الله :
" ما من أحد يطلب الحديث إلا وفي وجهه نضرة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نَضَّرَ اللهُ امرأً سمع منا حديثا فبلَّغه ) " انتهى.
رواه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم/22)
وبالجملة فالحسنة والطاعة هي التي تنير الوجه ، وتضيء القلب ، وتشرح الصدر ، وليست آية معينة ، ولا سورة مخصوصة ، بل القرآن الكريم والعمل الصالح بعمومه ، ولا يجوز تخصيص شيء من الدين بفضل خاص إلا بدليل ، وإلا أصاب العبدَ نصيبٌ من الابتداع المذموم .
والله أعلم .
تعليق