الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

حكم إنشاء الجمعيات الخيرية ، ونصائح في التعامل مع أصحاب الأموال

127295

تاريخ النشر : 25-06-2009

المشاهدات : 39207

السؤال

نسأل عن حكم الجمعيات الخيرية ، وما الضوابط التي تنصح بها السلفي في حالة التعاون معها - إن كان جائزاً - ومع أصحاب الأموال من عوام الناس الذين يحبون دعوتنا ، ولا يعرفون تفاصيلها ؛ لأنهم يثقون في إخواننا السلفيين بإعطائهم الأموال ، وتوزيعها في أماكنها ، وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

إقامة الجمعيات الخيرية الإسلامية يعدُّ من الأعمال الجليلة للأشخاص القائمين على تأسيسها ، ونرجو لهم تحصيل الأجور العظيمة بسبب إنشاء تلك الجمعيات ؛ لما لها من نفع متعدٍّ للمسلمين ، ضعفائهم ، وفقرائهم ، وإن إعانة هؤلاء ، وتفريج كرباتهم : لهو من الأعمال الجليلة في شرع الله تعالى ؛ لما لها من أجور جزيلة ، ومن هذه الأعمال التي تقوم بها الجمعيات ، ولها تلك الأجور :

1. كفالة الأيتام .

عَنْ سَهْل بنِ سَعْد قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا - وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا - ) .

رواه البخاري ( 4998 ) .

ومسلم ( 2983 ) من حديث أبي هريرة بلفظ قريب .

2. السعي على الأرامل .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ ) .

رواه البخاري ( 5038 ) ومسلم ( 2982 ) .

3. بناء المساجد .

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ بَنَى مَسْجِداً يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ) .

رواه البخاري ( 439 ) ومسلم ( 533 ) .

4. قضاء الديون .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) .

رواه مسلم ( 2699 ) .

5. تزويج العزاب .

عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه ، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ ) .

رواه البخاري ( 2442 ) ومسلم ( 2580 ) .

6. تفطير الصائمين .

عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا ) .

رواه الترمذي ( 807 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وابن ماجه ( 1746 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

ويشمل ما سبق – وثمة كثير لم نذكره - وغيره من أعمال الجمعيات الخيرية : هذا الحديث المبارك ، والذي هو نصٌّ في فضل الطاعات المتعدية :

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ , وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ , أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً , أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا , أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا , وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا , وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ , وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ , وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ) .

رواه الطبراني ( 12 / 453 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 955 ) .

وعليه :

فمن كان من الجمعيات الخيرية قائماً على مثل هذه المشاريع النافعة : فإنه يُعان ، ويشجع عليها ؛ لما في ذلك من التعاون على البر والتقوى المأمور به في قوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) المائدة/ من الآية 2 .

ومن أهم ما ينبغي أن يهتم الإخوة القائمون على هذه الجميعات : أن يتحروا في أمر الأموال التي في أيديهم ، فلا يتساهلوا في صرفها ، بل ينبغي عليهم أن يضعوها حيث يجب ، وأن يقدموا الأهم والأنفع من الأعمال التي يحتاجها أهل المكان ، وأن يراعوا مصارف الزكاة الشرعية في أموال الزكوات ، ولا يخرجوا عنها إلى غيرها ، وإن كان من أبواب البر والخير ، وأن يراعوا شرط الواقف إن كان تحت أيديهم وقف ، أو شرط المتصدق والمنفق ، إن شرط وجها معينا لنفقته ، لأن الجمعية بمثابة الوكيل عنه ، لا يجوز لها أن تتعدى شرطه . فإن بدا للإخوة القائمين عليه باب من الخير لم يأذن فيه ، فلهم أن يدلوه عليه ، حتى يدخله في نفقته ، أو يصرف إليه ماله .

ثانياً :

ليست الجمعيات الخيرية كلها سواء من حيث المنهج ، والاعتقاد ، بل منها ما هو حزبي جلد ، تتعصب لحزبها ، ومنها ما يتبنى أفرادها اعتقاداً فاسداً ، كالأشعرية ، والتصوف .

والموقف من الأولى يختلف عنه من الثانية ، ففي حال كانت الجمعية حزبية – والحزب في إطاره العام من أهل السنَّة - : فإنها تُعان على ما فيه خدمة للإسلام ، ولا تعان على ما في نشاط لحزبها ، وجماعتها ، وأما الجمعيات التي يقوم عليها أصحاب اعتقاد فاسد : فينبغي هجرها ، وأن يقوم أهل السنَّة بإنشاء جمعية مستقلة خاصة بهم .

ثالثاً :

والموقف من أصحاب الأموال ينبغي أن يكون حكيماً ، وإذا كانوا من أهل الدنيا ، وليسوا أفراداً منكم : فإننا ننصح في التعامل معهم :

1. أن لا يكون التقرب منهم طمعاً في أموالهم ، بل طمعاً في هدايتهم ، وهم لو هداهم الله ، واقتنعوا بالمنهج السلفي ، واعتقدوا عقيدة أهل السنَّة والجماعة : فإن ذلك كافٍ ليقوموا بنصرته ، بأموالهم ، وجاههم .

2. أن تجعلوا بعضاً من عقلائهم ومعادن الخير منهم أعضاء في مجلس إدارة الجمعية ؛ خاصة إذا كانت له وجاهة اجتماعية ، يرجى من ورائها حصول خير عام للمسلمين . فإن من شأن هذا أن يُكسبكم ثقتهم ، وفي الوقت نفسه يقربهم من الاعتقاد الصحيح ، والمنهج السليم .

3. أن تتعاهدوهم بالعناية ، والرعاية ، وذلك بتقديمهم في احتفالات الجمعية ، ونشاطاتها العامة ، فكثير من هذه النفوس مجبولة على حب التقديم ، وهذا ما يفعله أهل الدنيا معهم ، فأنتم أولى بهذه المداراة ، وليس في ذلك مخالفة لشرع الله .

وفي فتح مكة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ) .

رواه مسلم ( 1780 ) .

قال الدكتور علي الصلابي – حفظه الله - :

ففي تخصيص بيت أبي سفيان شيئٌ يُشبع ما تتطلع إليه نفس أبي سفيان ، وفي هذا تثبيت له على الإسلام ، وتقوية لإيمانه ، وكان هذا الأسلوب النبوي الكريم عاملاً على امتصاص الحقد من قلب أبي سفيان ، وبرهن له بأن المكانة التي كانت له عند قريش : لن تنتقص شيئاً في الإسلام ، إن هو أخلص له ، وبذل في سبيله ، وهذا منهج نبوي كريم ، على العلماء ، والدعاة إلى الله أن يستوعبوه ، ويعملوا به في تعاملهم مع الناس .

" السيرة النبوية ، عرض وقائع ، وتحليل أحداث " ( ص 756 ) .

4. إيقافهم بأنفسهم على حالات محتاجة ؛ وذلك حتى يطمئنوا إلى أن أموالهم تذهب في طريقها الصحيح ، وحتى يكون هذا دافعاً لهم لاستقرار البذل ، واستمراره ، بل زيادته .

5. الدعاء لهم ، والثناء عليهم ببذلهم ، ولو كان ذلك في صورة شهادات باسم الجمعية ، أو هدايا رمزية متجددة ؛ حتى يستمر عطاؤهم ، وتقوى قلوبهم على البذل ، وفي شرعنا أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لكل من يأتي بزكاته ، فقال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) التوبة/ 103 ، وهو ما طبَّقه صلى الله عليه وسلم عمليّاً .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ ) فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ : ( اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى ) .

رواه البخاري ( 1427 ) ومسلم ( 1078 ) .

هذا ما ننصحكم به في التعامل مع أصحاب المال ، والجاه ، ونسأل الله تعالى أن يوفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب