الحمد لله.
أولا :
ينبغي أن يعلم أن من أصول الشريعة العامة ، في كافة مصادرها ومواردها ، أنها شريعة ميسرة ، بعيدة عن التكلف والتصنع ، ومجافاة الفطرة والأدب الرفيع .
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ص/86 .
قال الرازي رحمه الله :
" والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة " انتهى .
"تفسير الرازي" (13/220) .
وفي صحيح البخاري (7293) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قال : قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ ، فَقَالَ :
( نُهِينَا عَنْ التَّكَلُّفِ ) .
وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أبعد الناس عن التكلف ، فكذلك دينه : هو أبعد الدين عن التكلف ، فلا كلفة فيه ولا مشقة ، ولا صعوبة ولا حرج ، وإنما هو يسر كله ، موافق للفطرة : نور على نور في قلب المؤمن .
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله ، في تفسيره للآية السابقة :
"والتكلف : معالجة الكلفة ،وهي ما يشق على المرء عمله والتزامه ، لكونه يحرجه أو يشق عليه .
ومادة التفعُّل تدل على معالجة ما ليس بسهل ؛ فالمتكلف هو الذي يتطلب ما ليس له ، أو يدعي علم ما لا يعلمه ...
وأخذ من قوله : وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ : أن ما جاء به من الدين لا تكلف فيه ،أي لا مشقة في تكاليفه ، وهو معنى سماحة الإسلام . وهذا استرواح مبني على أن من حكمة الله أن يجعل بين طبع الرسول صلى الله عليه وسلم وبين روح شريعته تناسبا ، ليكون إقباله على تنفيذ شرعه بشراشره [ بكليته ، مع محبته الشديدة ] ، لأن ذلك أنفى للحرج عنه في القيام بتنفيذ ما أمر به " . انتهى .
"التحرير والتنوير" (23/308) .
ثانيا :
إذا تأملنا هذه النشرة المسؤول عنها ، فلا شك أن فيها قدر واضحا من التكلف والتصنع ، وإخراج الأمور الشرعية ، والعبادات الدينية عن وضعها المألوف ، وتكلف وجوه الشبه بينها وبين ذلك الشيء الجديد ، من أجل ترويجها به ، وتشجيع الناس على الإقبال عليها به .
وفي هذا الصنيع عدد من المحاذير التي ينبغي التنبه لها ، والتمحل في تشبيه هذه العبادة العظيمة ، بذلك الدواء الذي يحمل اسما أعجميا ؛ فتأمل كيف وصل الحال : هجر الدعاية بالاسم الشرعي العربي ، والترويج للعبادة بذلك الاسم الأعجمي ، مع أنه خارج في واقع الأمر عن موضوعه .
ومن وجوه التكلف الظاهرة في ذلك :
أ. الاستغفار عبادة شرعها الله تعالى ، والبندول دواء مخترع من كافر .
ب. الاستغفار عبادة كلها خير لصاحبها ، وأقراص البندول قد تؤدي بمتناولها للهلاك ، أو الضرر .
ج. ليس للاستغفار آثار جانبية ، والأدوية الكيماوية كلها لها أضرار .
د. الاستغفار يكون بعد فعل ذنب ، ويكون من غير فعله ، وأقراص البندول لا يتناولها إلا المريض .
هـ. الإكثار من الاستغفار يزيد في الأجور ، والإكثار من البندول يؤدي إلى التسمم ، والهلاك .
و. الاستغفار نافع لجميع من يقوم به ، والدواء – بندول وغيره – ينفع أناساً دون آخرين .
ز. الاستغفار ينفع صاحبه بعد وفاته ، والبندول ليس كذلك .
والواقع أننا لا نريد أن نسترسل أكثر في بيان وجوه الفرق بين ذلك الدواء المادي ، وبين عبادة الاستغفار ، فالمسألة ـ في واقع الأمر ـ أقرب إلى اللعب والعبث ، منها بالعلم والبحث ، ويكفي أن نذكر من تلك الدعاوى الفارغة لها : قولهم إنها " مرخصة من ملك الملوك " : وهذا كذب واضح ؛ فإن الصورة التي عرضوها هي أمر اجتهادي محض ، قابل للتخطئة ، ، كما سننقله عن بعض أهل العلم ، وهذا أبعد شيء عن عبادة الاستغفار .
ثالثا :
والذي يظهر أنه لا يجوز ابتذال العبادات الشرعية بمثل ذلك ، وأن يبقى لها جلالها في القلوب ، وأن تصل إلى الناس من خلال نصوص الوحيين ، ميسرة مبينة ، بعيدة عن التلكف والدعاوى .
وقد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، عن ذلك ، فأجاب :
هذا عمل لا يليق ، تشبيه الاستغفار - وهو عبادة – تشبيهه بالبندول : هذا فيه تنقص من الاستغفار ، فهذا لا يجوز ، هذا العمل لا يجوز ، لأن معناه أن العبادة تشبَّه بالبندول ، والعبادة أمرها عظيم ، والبندول دواء فقط ، فكيف تشبه العبادة بالبندول ؟! هذا فيه تنقص للعبادة .
انتهى
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=181680
والله أعلم
تعليق