الحمد لله.
ما ذكرت من الفتوى صحيح ، ولا يخالف ما ورد في الحديث المشار إليه - وهو حديث صحيح متفق عليه – وذلك لاختلاف مخرجيهما :
فالتوبة عبادة من أجل العبادات وأعظمها شأنا ، ولا يجوز أن تبذل لغير الله - شأنها في ذلك شأن كل عبادة - سواء كان هذا الغير نبيا مرسلا ، أو ملكا مقربا ، أو عبدا صالحا ، وهي التوبة الشرعية التي في قوله تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور/31] .
وأما ما ورد في الحديث من قول عائشة رضي الله عنها : ( أتوب إلى الله وإلى رسوله )
فالتوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمولة على معناها اللغوي لا الشرعي الاصطلاحي ، ومعناها الرجوع عن الخطأ ، فهي رضي الله عنها أرادت أنها راجعة عن خطئها في حق الله وفي حق رسوله ، إن كانت أخطأت ، مستغفرة من ذنبها، إن كانت أذنبت.
قال الطيبي رحمه الله :
" فيه أدب حسن من عائشة رضي الله عنها ، حيث قدمت التوبة على اطلاعها على الذنب " .
"شرح مشكاة المصابيح" للطيبي (8/274) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أن التوبة لا شك عبادة ، ولكن هذا من التوبة اللغوية ، والتوبة اللغوية تكون عبادة وغير عبادة ، ولهذا فصلتها رضي الله عنها وقالت : (وإلى رسوله) فأعادت حرف الجر لتكون توبة متميزة عن التوبة الأولى .
ويؤيد هذه المسلك أن التوبة في اللغة تعنى الرجوع ، قال ابن فارس رحمه الله :
" التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع . يقال تابَ مِنْ ذنبه ، أي رَجَعَ عنه "
انتهى . "مقاييس اللغة" (1/326) .
قال القاري :
" وفي إعادة "إلى" دلالة على استقلال الرجوع إلى كل منهما " انتهى .
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (13/ 234) .
وليعلم أن هذه التوبة إنما تصح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته ، أما بعد مماته فلا يصح أن يقال : أتوب إلى رسول الله .
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله :
" الرسول يتاب إليه في حياته ، مثل ما قالت عائشة رضي الله عنها ، لما دخل عليها في الصحيح ، ولما أراد أن يدخل وعلى الباب ستر فيه صورة فامتنع من الدخول فقالت عائشة : ماذا أذنبت ، أتوب إلى الله وإلى رسوله .
أتوب إلى الله - يعني- من معصية الله ، وأتوب إلى رسوله مما أخطأت في حقه ، هذا في حياته ، لكن بعد وفاته ما يقال : أتوب إلى رسول الله بل يقال : أتوب إلى الله " انتهى .
http://www.taimiah.com/Display.asp?t=book82&f=mso00069.htm&pid=2
والله تعالى أعلم .
تعليق