الحمد لله.
القاضي في اصطلاح العلماء هو الذي يفصل في الخصومات ، فيبين الحكم الشرعي ويلزم به .
فيقوم عمل القاضي على ركنين أساسيين ، هما :
1- الإخبار بالحكم الشرعي في الواقعة .
2- الإلزام بتنفيذ الحكم الشرعي بقوة السلطان وهيبته .
فمن توفر فيه هذان الركنان فهو القاضي الذي ورد في النصوص ، سواء كان معيناً في المحاكم أو المرور ، أو اتفق الخصمان على التحاكم إليه وكان حكمه لازماً لهما .
قال ابن رشيد في تعريف القضاء :
"الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام" انتهى .
"تبصرة الحكام" (1/12) .
وقال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله :
" هو فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى ، قال ابن عبد السلام : الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه" انتهى .
"مغني المحتاج" (4/372) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" هو الإلزام بالحكم الشرعي وفصل الخصومات " انتهى.
"كشاف القناع" (6/258) .
وعلى هذا ، فالقاضي الذي ورد ذكره في النصوص ، كحديث :
(الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ) رواه أبو داود (3573) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" ، يشمل :
1- القضاة المعينون في المحاكم .
2- القاضي الذي اتفق الخصمان على التحاكم إليه والالتزام بقوله .
3- المدرس عندما يفصل بين طالبين متنازعين ويلزمهما بما يحكم به .
وكذلك يكون المدرس قاضياً وحاكماً بين الطلبة عند تصحيحه اختبارات الطلبة ، وتقديره درجات الإجابة ، وتقديره الدرجات التي يحصلون عليه مقابل أنشطتهم وسلوكهم .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"إن الاختبارات حُكْمٌ حين التصحيح ، فإن المعلم الذي يقدر درجات أجوبة الطلبة ، ويقدر درجات سلوكهم هم حاكم بينهم ؛ لأن أجوبتهم بين يديه بمنزلة حجج الخصوم بين يدي القاضي ، فإذا أعطى طالباً درجات أكثر مما يستحق فمعناه أنه حكم له بالفضل على غيره مع قصوره ، وهذا جور في الحكم ، وإذا كان لا يرضى أن يقدم على ولده من هو دونه ، فكيف يرضى لنفسه أن يقدم على أولاد من هو دونهم .
إن من الأساتذة من لا يتقي الله تعالى في تقدير درجات الطلبة ، فيعطي أحدهم ما لا يستحق ، إما لأنه ابن صديقه أو قريبه أو ابن شخص ذي شرف أو مال أو رئاسة ، ويمنع بعض الطلبة ما يستحق إما لعداوة شخصية بينه وبين الطالب أو بينه وبين أبيه أو غير ذلك من الأسباب .
وهذا كله خلاف العدل الذي أمر به الله ورسوله ، فإقامة العدل واجبة بكل حال على من تحب ومن لا تحب ، فمن استحق شيئاً وجب إعطاؤه إياه ، ومن لا يستحق شيئاً وجب حرمانه منه" انتهى .
"الضياء اللامع" (2/570 ، 571) .
4- مدير الشركة أو المؤسسة الذي يحكم للموظفين أو عليهم بما يستحقونه من تكريم ومكافآت أو عقوبات .
5- شرطي المرور الذي يحكم بين المتنازعين في حادث تصادم ـ مثلاً ـ فيحكم بأن الخطأ على فلان ، أو أن نسبة الخطأ كذا ... فهذا قاضٍ ، لأنه يحكم بين الخصمين ويلزمهما بحكمه .
أما الشرطي الذي يأتي إلى مكان الحادث ويسجل وصف الحادث في الأوراق ، فهذا ليس قاضياً ، ولكنه أقرب إلى الشاهد ، فيجب عليه أن يشهد بالعدل ، ولا يحابي أحداً ، وإلا كان شاهداً بالزور، متسبباً في ضياع الحق على صاحبه ، لأن الشرطي الذي سيحكم ، سيحكم بناء على ما وصفه هذا الشاهد .
وأما الشرطي الذي يتولى التحقيق في الجريمة ، فليس قاضياً ، لأن حكمه بأن هذا هو الجاني ليس ملزماً ، وليس من سلطته تنفيذ ما حكم به ، بل هو كالمساعد للقاضي في الوصول إلى الحكم ، فيحاول الوصول إلى تفاصيل الجريمة ، وملابستها ، ثم يضع ذلك بين يدي القاضي الذي يتولى الحكم .
والحاصل ... أن كل من حكم بين الناس وكان حكمه ملزماً لهم فهو القاضي ، الذي إن كان حكمه مبنياً على الجهل والظلم فهو متوعد بأن يكون من أهل النار ، وإن كان حكمه مبنياً على العلم والعدل فهو موعود بالجنة .
والله أعلم
تعليق