الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

هل تصح هذه الأحاديث التي تدل على جواز استعمال المسبحة؟

140127

تاريخ النشر : 05-11-2009

المشاهدات : 92212

السؤال

في أحد المنتديات وضعت إحداهن موضوعا عن البدع ، ولكن كان فيه أحاديث ضعيفة وصحيحة الإسناد ، وهي عن المسبحة ، وكانت كالآتي : لم يثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه استخدمها ، ولم يستخدم الحجر ، ولم يستخدم النّوى كما يُدّعى في الحديث الضّعيف أنّه أقرّ جويرية على ذلك ، هذا غير صحيح ، لم يقرّها على استخدام النّوى . التسبيح بالمسبحة جائز ، وما ورد فيها من أحاديث العدّ بالنوى والحصى كاف في الدلالة على أصل مشروعيتها ، لصلاحية تلك الأحاديث من حيث الصنعة الحديثية للاستدلال ، منها حديث سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به ، فقال : أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل ، فقال : سبحان الله عدد ما خلق في السماء ... ، والحديث صححه ابن حبان والحاكم في المستدرك ووافقه الذهبي، وخرجه أبو داود رقم 1500 ، والترمذي حديث رقم 3568 ، وقال : حديث حسن. السؤال هنا : كيف نفهم التناقض هنا ؟ وهل الحديث حسن أم ضعيف ؟ وكيف يكون حديث حسن ويقابله حديث ضعيف ؟ وجزاكم الله خير .

الجواب

الحمد لله.

الأحاديث الوارد فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض أمهات المؤمنين على عد التسبيح على النوى حديثان :

الحديث الأول :

عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قالت : (دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا ، فَقَالَ : لَقَدْ سَبَّحْتِ بِهَذِهِ ، أَلَا أُعَلِّمُكِ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّحْتِ بِهِ ، فَقُلْتُ : بَلَى عَلِّمْنِي . فَقَالَ : قُولِي : سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ) رواه الترمذي (3554) بسند ضعيف ، فيه : هاشم بن سعيد الكوفي ، قال عنه ابن معين : ليس بشيء . وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .

"تهذيب التهذيب" (11/17) .

ولذلك قال الترمذي بعد روايته له :

"هذا حديث غريب ، لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعيد الكوفي ، وليس إسناده بمعروف" انتهى .

وقد ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي وقال عنه : منكر .

ورواه الطبراني في "الدعاء" (ص/494) وفي سنده : يزيد بن متعب مولى صفية .

قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :

"يزيد لم يوجد له ترجمة" انتهى .

"السبحة" (ص/18) .

ومع ذلك فقد صحح هذا الحديث علي القاري في "مرقاة المصابيح" فقال : "وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة ، بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها ، إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به ، ولا يعتد بقول من عدها بدعة" انتهى. نقله عنه في "تحفة الأحوذي" .

وقد حسنه الحافظ ابن حجر أيضاً ، وذكر طريقاً أخرى عند الطبراني في "الدعاء" ، والظاهر من صنيعه أنه حسنه بمجموع طرقه .

نقله عنه ابن علان في "الفتوحات الربانية على الأذكار النووية" (1/245) .

الحديث الثاني :

عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : (أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى - أَوْ قَالَ حَصًى - تُسَبِّحُ بِهِ ، فَقَالَ : أَلَا أُخْبِرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أَوْ أَفْضَلُ ؟ سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ)  .

قوله : (دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى) لم يبين في شيء من طرق الحديث من هي؟ فيحتمل أنها صفية رضي الله عنها كما في الحديث الأول ، ويحتمل أنها جويرية رضي الله عنها ، وحديثها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيه ذكر للنوى أو الحصى .

انظر: "الفتوحات الربانية" (1/244) .

وهذا الحديث رواه الترمذي (3568) وأبو داود (1500) من طريق سعيد بن أبي هلال ، عن خزيمة ، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص ، عن أبيها . وروي أيضا بإسقاط خزيمة .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

" خزيمة هذا مجهول ، قال الذهبي نفسه في " الميزان " : خزيمة ، لا يعرف ، تفرد عنه سعيد بن أبي هلال ، وكذا قال الحافظ في " التقريب " : إنه لا يعرف ، وسعيد بن أبي هلال مع ثقته حكى الساجي عن أحمد أنه اختلط ، وكذلك وصفه بالاختلاط يحيى كما في " الفصل " لابن حزم ( 2 / 95 ) ، ولعله مما يؤيد ذلك روايته لهذا الحديث ، فإن بعض الرواة الثقات عنه لم يذكروا في إسناده خزيمة فصار الإسناد منقطعا ، ولذلك لم يذكر الحافظ المزي عائشة بنت سعد في شيوخ ابن أبي هلال ، فلا يخلو هذا الإسناد من علة الجهالة أو الانقطاع ، فأنَّى للحديث الصحة أو الحسن ؟! " انتهى .

"السلسلة الضعيفة" (83) .

ومع هذا ، فقد صححه الحافظ ابن حجر ، فقال : "حديث صحيح ، ورجاله رجال الصحيح ، إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله ، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال ، وذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر ، وصححه الحاكم" انتهى .

"الفتوحات الربانية" (1/244) .

وقال عنه المنذري في "الترغيب والترهيب" (2/360) :

"إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما" انتهى .

وقد ضعف هذين الحديثين الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله ، فقال :

"وحديثا صفية وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، في ثبوت كل منهما نظر" انتهى .

"السبحة تاريخها وحكمها" ص 16 .

ثانيا :

قد يختلف العلماء في حكم حديث معين ، هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف؟ كما قد يختلفون في فهم الحديث والاستنباط منه ، فتتنوع المذاهب الفقهية بحسب تنوع الاجتهادات .

قال المعلمي رحمه الله :

"يختلفون في صحة بعض الأحاديث ، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه" انتهى .

"الأنوار الكاشفة" (ص/52).

وعلى المسلم في هذه الحالة ـ إن كان أهلاً للبحث والتحقيق ـ أن يفعل ذلك ، حتى يصل إلى الحكم على الحديث بنفسه .

فإن كان لا يستطيع ذلك ، فإنه يسأل من يثق بعلمه ودينه عن حكم الحديث ، ثم يفعل ما يفتيه به .

وإذا ظهر أن المسألة من المسائل الاجتهادية ، فإنه لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للاضطراب أو التنازع ، فإن الله تعالى قضى أن يخلق الناس متفاوتين في العلوم والأفهام ، وما دام الاختلاف لا يتعلق بثوابت الدين ومحكماته فالأمر يسير إن شاء الله تعالى .

ولمعرفة موقف المسلم من اختلاف العلماء في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها . راجع جواب السؤال رقم (70455) .

ثالثا :

أما حكم استعمال السبحة ؛ فقد سبق بيان اختلاف العلماء في حكمها في جواب السؤال رقم (3009).

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب