الحمد لله.
إذا كان الوالد قد أعطاك الشقة لتستفيد من إيجارها ، فلا بد أن يكون قد أعطى جميع إخوتك مثل ما أعطاك ، أو ما كان في مقداره وقيمته ، وإلا وقع في الظلم ؛ لوجوب العدل في العطية بين الأولاد .
فقد روى البخاري (2587) ومسلم (1623) عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ (وهي أم النعمان) لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ لَا . قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ .
وَقد ذَهَبَ فُقهَاءُ الْحَنَابِلَةُ ، وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُبَارَكِ ، وَطَاوُسٍ ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِلَى وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الأَْوْلاَدِ فِي الْهِبَةِ . فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِعَطِيَّةٍ ، أَوْ فَاضَل بَيْنَهُمْ فِيهَا أَثِمَ ، وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا رَدُّ مَا فَضَّل بِهِ الْبَعْضَ ، وَإِمَّا إِتْمَامُ نَصِيبِ الآْخَرِ .
راجع : "الموسوعة الفقهية" (11 / 359)
فإذا كان قد أعطاهم مثل ما أعطاك فذاك ، وإلا : فالواجب ترضيتهم ، وطلب مسامحتهم والدهم ؛ لأنه ظلمهم بإعطائك دونهم .
ولا يجوز لك أن تستمر في أخذ ريع الشقة بعد وفاته ، والواجب ردها أو إيجارها ليقسم مع بقية الميراث بين الورثة ، إلا إذا تراضيتم على شيء ، أو أذن الورثة لك بأخذ ريعها ، فلا بأس حينئذ بما تراضيتم عليه ، بشرط مراعاة نصيب القصّر إن وجدوا .
سئل ابن عثيمين رحمه الله :
إذا تراضى ورثة الميت من زوجات وأولاد على أن لكل منهم ما تحت يده من أثاث وأوانٍ ونحوها ، فما حكم ذلك ؟ وإذا كان في الورثة قُصَّر فما الحكم ؟
فأجاب : " لهم أن يتراضوا على ذلك ، بعد إخراج الوصية , وأما القُصَّر فعلى وليهم أن يأخذ لهم بجانب الاحتياط ، ولا يتبرع نيابة عنهم " انتهى .
"ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" (ص / 108)
أما قولك : بأن والدك أوصى وكيله بأن تستفيد من هذه الشقة حتى نهاية العام :
فقد ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) رواه أبو داود (2870) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ .
وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لاَ تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ ، إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ : فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ ، إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ .
"الموسوعة الفقهية" (43 / 246-247)
وعلى ذلك : فلا تصح الوصية لك بذلك إلا أن يجيز الورثة ، فإن أجازوا وكان فيهم قُصّر فالواجب على وليهم أن يستخلص لهم حقهم الشرعي من الميراث ، فلا يجيز كما أجازوا .
وإن لم يجيزوا رُدّت للقسم .
راجع جواب السؤال : (119655) .
تعليق