الحمد لله.
هذا الحديث العظيم في فضائل صلاة النافلة الراتبة ورد بلفظين :
ظاهر أحدهما : أن من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة - ولو يوما واحدا من عمره - بنى الله له بيتا في الجنة ، وأن من حافظ عليها لأيام كثيرة كان له من البيوت في الجنة بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها ، وهذا اللفظ كالآتي :
عن أم حبيبة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ) رواه مسلم (728)
والأخذ بظاهر هذا اللفظ هو ما يبدو من قول عائشة رضي الله عنها: ( من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة ) رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/109)
وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( ما من عبد مسلم يصلي في يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا إلا بني له بيت في الجنة )
رواه أحمد (16/283) وقال المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة: صحيح لغيره ، وهذا إسناد حسن. وروي موقوفا بسند مضعف.
وهو أيضا ما يبدو من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (1/537) على هذا الحديث بقوله :
" باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ما له فيه من الفضل " انتهى.
وبوب عليه ابن حبان في " صحيحه " (6/204) بقوله :
" ذكر بناء الله جل وعلا بيتا في الجنة لمن صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة " انتهى.
فكل هذه النقول جاءت بصيغة المطلق ( في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة )، وهذا يدل على أن المحافظة على هذه الرواتب في يوم واحد فقط كاف لبناء بيت في الجنة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل من صلاها وداوم عليها في اليوم الذي يصلى فيه يبنى له هذا البيت في الجنة ، أم أنه لو صلى مثلا ثلاثة أيام يبنى له ثلاثة بيوت ، أم ماذا ؟
فأجاب رحمه الله :
" مَن صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بيتا في الجنة على الجميع ، فإذا حافظ عليها ، صار كلَّ يوم يمضي يُبنَى له بيت في الجنة " انتهى باختصار من " فتاوى نور على الدرب" الشريط رقم [249]"
وقال أيضا رحمه الله:
" وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات ، وأن الإنسان إذا صلاها يوما واحداً : بنى الله له بيتاً في الجنة " انتهى.
" شرح مسلم " ( شريط رقم 4 وجه ب )
وأما ظاهر اللفظ الثاني : فيدل على اشتراط المحافظة على هذه الرواتب الاثنتي عشرة ركعة في كل يوم كي يثاب صاحبها عليها ببناء بيت واحد في الجنة ، وهذا اللفظ هو:
عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ )
رواه مسلم (728)، ومحل الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : ( كل يوم )
بل وأصرح منه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ ثَابَرَ عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْ السُّنَّةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )
رواه الترمذي (رقم/414) وقال: حديث غريب من هذا الوجه ، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه . وصحح الحديث الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
وهو ظاهر ما يذهب إليه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2/108) حيث بوب عليه بقوله :
" في ثواب من ثابر اثني عشرة ركعة من التطوع " انتهى.
والنسائي في " السنن الكبرى " (1/458) حيث يقول :
" باب ثواب من ثابر على اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة ، وذكر اختلاف ألفاظ الناقلين في ذلك " انتهى.
وإلى ظاهر اللفظ الثاني ذهب الشيخ ابن باز رحمه الله حيث يقول :
" وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من حافظ على ثنتي عشرة ركعة تطوعا في يومه وليلته بني له بهن بيت في الجنة " انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 11 / 380 ) .
ولعل هذا القول هو الأقرب : يعني : أن هذا الوعد خاص بمن واظب على ذلك ؛ إعمالا للقيد الذي ورد في روايات صحيحة ؛ فالمطلق يحمل على المقيد ، وزيادة القيد هنا مقبولة ، لا وجه إهمالها .
والله أعلم .
تعليق