الأربعاء 12 جمادى الأولى 1446 - 13 نوفمبر 2024
العربية

هل للربح حد معين في الشريعة؟

143067

تاريخ النشر : 12-01-2010

المشاهدات : 271150

السؤال

أعمل بالتجارة منذ زمن ، ولى زبائن كثيرة في البيع بالآجل ، وطلب مني الآن أحد الزبائن أن أذهب معه إلى متجر لشراء أشياء له ، على أن أضيف نسبتي في الربح عليها فهل هذا حلال أم حرام؟ وما النسبة المحددة التي أستطيع إضافتها للربح؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

يجوز أن تشتري هذه الأشياء وتبيعيها على الزبون بشرطين :

الأول : أن تشتريها لنفسك شراء حقيقيا .

الثاني : ألا تباع على الزبون حتى تقبضيها وتنقليها من المتجر .

وذلك أنه إذا لم تشتري الأشياء لنفسك شراء حقيقيا ، واكتفيت بدفع المال عن الزبون ، مع اشتراط رده بربح ، كان هذا قرضا ربويا ؛ إذ حقيقته أنك أقرضت الزبون ثمن الأشياء (بألف مثلا) على أن تسترديه (بألف ومائتين) مثلا .
وإذا اشتريت الأشياء لكن بعتها قبل قبضها ونقلها ، كان ذلك مخالفاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : (فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ) رواه أحمد(15399) والنسائي ( 4613) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (342) .

وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه (نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .

وفي الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) رواه البخاري (2133) ومسلم (1525) وزاد : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما : وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ .

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : طلب إنسان من صديقه أن يشتري له سيارة بنقد ، ثم يعيد بيعها له إلى أجل مع الربح في البيع ، بمعنى : إذا كانت السيارة بألف عند الشراء بنقد يعيد بيعها لصديقه بألف ومائة مثلا على أجل معلوم ... هل يعد من باب الربا؟

فأجابت :

"إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري له سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها ، ووعده أن يشتريها منه فاشتراها مَن طُلبت منه وقبضها جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقداً أو أقساطاً مؤجلة بربح معلوم ، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده ، لأن من طلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها ، لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 152) .

ثانيا :

ليس في الشريعة حد معين للربح ، فيجوز أن تتفقا على أن يكون الربح مبلغا معينا ، أو نسبة معلومة من ثمن البضاعة كالثلث أو الربع ، أو أكثر من ذلك ما دام المشتري يعرف قيمة السلعة في السوق ، وينبغي الرفق والإحسان وعدم استغلال حاجة الناس .

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : إنه متسبب في البيع والشراء ، وإنه يبيع السلعة مؤجلا بربح قد يصل إلى الثلث أو الربع ، وقد يبيع السلعة على شخص بثمن أقل أو أكثر من بيعها على الآخر . ويسأل هل يجوز ذلك؟
فأجابوا :

"قال الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) الآية ، وعليه : فإذا كان السائل يبيع ما يبيعه بعد تملكه إياه تملكا تاما وحيازته ، فلا حرج عليه في بيعه بما يحصل التراضي والاتفاق عليه ، سواء ربح الربع أو الثلث ، كما أنه لا حرج عليه في تفاوت سعر بيعه بضائعه ، بشرط أن لا يكذب على المشتري بأنه باعه مثل ما باع على فلان ، والحال أن بيعه عليه يختلف عنه ، وأن لا يكون فيه غرر ، ولا مخالفة لما عليه سعر السوق ، إلا أنه ينبغي له التخلق بالسماحة والقناعة ، وأن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه ، ففي ذلك خير وبركة ، ولا يتمادى في الطمع والجشع ، فإن ذلك يصدر غالبا عن قساوة القلوب ، ولؤم الطباع ، وشراسة الأخلاق" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/ 88) .

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . الشيخ عبد الرزاق عفيفي . الشيخ عبد الله بن غديان . الشيخ عبد الله بن منيع .

 

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل هناك حدٌ شرعي يحدد الأرباح التجارية فيضعها في الثلث أو غيره؟ فإنني سمعت أن من الناس من يحددها بالثلث ويستدل على ذلك بأن عملية البيع تكون مبنية على التراضي واختاروا الثلث ليرضي الجميع نرجو التوضيح والتفصيل مأجورين؟

فأجاب : "الربح الذي يكتسبه البائع ليس محدداً شرعاً لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في إجماع أهل العلم ولا علمنا أن أحداً حدده ، غاية ما في ذلك أن بعضاً من أهل العلم لما ذكروا خيار الغَبْن قالوا : إن مثله أن يغبن بعشرين في المائة أي بالخمس ، ولكن مع هذا ففي النفس منه شيء ، فإن التحديد بالخمس ليس عليه دليلٌ أيضا .

فعلى كل حال فإننا نقول : إنه لا حد للربح ؛ لعموم قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) وعموم قوله تعالى : (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) فمتى رضي المشتري بالثمن واشترى به فهو جائز ولو كان ربح البائع فيه كثيراً ، اللهم إلا أن يكون المشتري ممن لا يعرفون الأسعار غريراً بالقِيَم والأثمان فلا يجوز للبائع أن يخدعه ويبيع عليه بأكثر من ثمن السوق كما يفعله بعض الناس الذي لا يخافون الله ولا يرحمون الخلق ، إذا اشترى منهم الصغير والمرأة والجاهل بالأسعار باعوا عليه بأثمان باهظة ، وإذا اشترى منهم من يعرف الأسعار وهو عالمٌ يعرف كيف يشتري باعوا عليه بثمن أقل بكثير .

إذن نقول في الجواب : إن الربح غير محدد شرعاً فيجوز للبائع أن يربح ما شاء ؛ لعموم الآيتين الكريمتين : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) و (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ولأن الزيادة والنقص خاضعان للعرض والطلب ، فقد يكون الطلب شديداً على هذه السلعة فترتفع قيمتها وقد يكون ضعيفاً فتنخفض ، ومن المعلوم أنه قد يشتري الإنسان الشيء بمائة ثم تزيد الأسعار فجأة فيبيعها في اليوم الثاني أو بعد مدةٍ طويلة بمائتين أو بثلاثمائة أو أكثر ، نعم من احتكر شيئاً معيناً من المال وصار لا يبيعه إلا بما يشتهي فإن لولي الأمر أن يتدخل في أمره وأن يجبره على بيعه بما لا يضره ولا يضر الناس سواءٌ كان هذا المحتكر واحداً من الناس أو جماعةً لا يتعامل بهذا الشيء إلا هم فيحتكرونه ، فإن الواجب على ولي الأمر في مثل هذه الحال أن يجبرهم على البيع بربحٍ لا يضرهم ولا يضر غيرهم ، أما إذا كانت المسألة مطلقة والشيء موجودٌ في كل مكان لا يحتكره أحد ، فإنه لا بأس أن يأخذ ما شاء من الربح إلا إذا كان يربح على إنسانٍ جاهل غرير لا يعرف فهذا حرامٌ عليه أن يربح عليه أكثر مما يربح الناس في هذه السلعة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".

والله أعلم .

 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب