الحمد لله.
يجب على المتوضئ إذا غسل وجهه أن يغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرفقين ، ولا يجوز أن يقتصر على غسلهما من الرسغين إلى المرفقين ، ولا يكفيه أنه غسل الكفين أول الوضوء ؛ لوجوب الترتيب بين الأعضاء في قول جمهور الفقهاء ، فيجب غسل اليد كاملة بعد غسل الوجه ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (103694) .
لكن من فعل ذلك جاهلا ، لم يلزم بالإعادة لأمرين :
الأول : كونه جاهلا بالحكم .
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وعلى هذا ؛ لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ
النص ، مثل : أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ ثم يبلغه النص ويتبين له وجوب الوضوء ،
أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص : فهل عليه إعادة ما مضى ؟ فيه
قولان هما روايتان عن أحمد .
ونظيره : أن يمس ذَكَره ويصلى ، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر .
والصحيح في جميع هذه المسائل : عدم وجوب الإعادة ؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان
؛ ولأنه قال : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
، فمن لم يبلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شيءٍ معيَّنٍ : لم
يثبت حكم وجوبه عليه ، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما
أجْنبا فلم يصلِّ عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما ، وكذلك لم يأمر أبا
ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي ، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة
حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء ، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت
المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/101) .
والثاني : كون المسألة محل خلاف بين أهل العلم ، فإن الحنفية يصححون هذا الوضوء ، لعدم اشتراطهم الترتيب ، ويجعلون غسل الكفين أول الوضوء سنة تنوب عن الفرض .
قال العبادي في "الجوهرة النيرة" (1/5) : "وسنن
الطهارة : ... غسل اليدين ثلاثا ، يعني إلى الرسغ ، وهو منتهى الكف عند المفصل ...
وهو سنة تنوب عن الفرض ، حتى إنه لو غسل ذراعيه من غير أن يعيد غسل كفيه أجزأه"
انتهى باختصار .
وقال في "الدر المختار" مع حاشية ابن عابدين (1/112) : "وهو سنة ينوب عن الفرض ،
ويسن غسلها أيضا مع الذراعين" انتهى مختصرا .
وينظر : "البحر الرائق" (1/18) ، "فتح القدير" (1/21) .
فلا يؤمر من اقتصر على غسل اليدين من الرسغين إلى المرفقين بالإعادة ، مراعاةً لهذا الخلاف ، وعليه أن يصحح وضوءه فيما يستقبل من أمره .
والله أعلم .
تعليق