الحمد لله.
أولا :
لا حرج عليك في الإمامة وإن لم تكن متزوجا ؛ فالزواج ليس شرطا في صحة الإمامة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
بصفتي أنا إمام المسجد بإحدى القرى المغربية ، وأريد منكم معشر السادة العلماء بتعريف عام عن الإمامة ؟ لأنني غير متزوج ، هل إمامتي هذه ناقصة أم لا ؟ وهل يجوز لي أن أؤم بالناس في صلاة الجمعة ؟
فأجابوا :
"تجوز إمامة الأعزب غير المتزوج ، وليست صلاته ناقصة ، وكذلك تجوز إمامته للجمعة وخطبته لها ؛ لما روى أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما - أي : إسلاما) وفي رواية : (سنا) الحديث رواه مسلم (673)" انتهى .
ثانيا :
حيث وكلك الإمام الراتب بالإمامة في حالة غيابه ، وكنت جديرا بها : فلا يجوز لأحد أن يمنعك منها ؛ لأنك حينئذ تقوم مقام الإمام .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
ما حكم من وكله الإمام بالمسجد للصلاة بهم ، وعندما حضر الوكيل للصلاة منعه المؤذن للصلاة ، وأقام رجلاً آخر ، وعلة المؤذن في ذلك قلة علم الموكَّل ؟
فأجاب :
"هذه في الواقع جناية من المؤذن ، المؤذن ليس له دخل في الإمامة إطلاقاً ، الإمامة أمرها إلى الإمام ، وليس أحد من الناس يعجز عن أن يؤم الناس ، القراءة الفاتحة وما تيسر ، كل يقرؤها الحمد لله .
فأرى أن هذا المؤذن - هداه الله عما يستقبل ، وعفا عما سلف - أنه أخطأ ، وتجرأ على حق الإمام ، وليس له الحق أن يقيم الآخر .
وعلى رأي بعض العلماء تكون صلاتهم باطلة ، وصلاة الذي أمهم باطلة ؛ لأنه ليس إماماً راتباً ، ولا نائباً عن الإمام الراتب ، لكن نرى أن الإمامة صحيحة إن شاء الله ، قصدي أن الصلاة صحيحة ، وأن الفعل محرم .
ثم هذا الذي أقامه المؤذن كان يجب عليه أن يقول : لا ، لا أصلي ووكيل الإمام موجود ؛ لأن وكيل الإمام قائمٌ مقام الإمام ، فبلِّغ هذا المؤذن أن يتوب إلى الله ويستغفر الله ، وألا يعود لمثلها " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (139 / 32)
ثالثا :
كراهتهم لإمامتك لا عبرة بها ؛ حيث كانت بسبب غير شرعي .
روى الترمذي (360) وحسنه عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قَالَ الْخَطَّابِيّ : " يُشْبِه أَنْ يَكُون الْوَعِيد فِي الرَّجُل لَيْسَ مِنْ أَهْل الْإِمَامَة فَيَقْتَحِم فِيهَا وَيَتَغَلَّب عَلَيْهَا حَتَّى يَكْرَه النَّاس إِمَامَته , فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ فَاللَّوْم عَلَى مَنْ كَرِهَهُ دُونه "
انتهى من "عون المعبود" (2/213) .
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/32) :
" إِنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَسُنَّةٍ فَكَرِهَهُ الْقَوْمُ لِذَلِكَ , لَمْ تُكْرَهْ إمَامَتُهُ . قَالَ مَنْصُورٌ : أَمَا إنَّا سَأَلْنَا أَمْرَ الْإِمَامَةِ , فَقِيلَ لَنَا : إنَّمَا عَنَى بِهَذَا الظَّلَمَةَ فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ السُّنَّةَ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ "
انتهى .
وقال الشوكاني رحمه الله :
" قيد ذلك جماعة من أهل العلم بالكراهة الدينية لسبب شرعي ، فأما الكراهة لغير الدين فلا عبرة بها " انتهى .
"نيل الأوطار" (3 / 216).
رابعا : قولهم : " الزواج نصف الدين " له شاهد في الشرع :
فروى الحاكم (2681) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الثاني )
وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (1916)
وقال المناوي رحمه الله :
" وذلك لأن أعظم البلاء الفادح في الدين شهوة البطن وشهوة الفرج ، وبالمرأة الصالحة تحصل العفة عن الزنا وهو الشطر الأول ، فيبقى الشطر الثاني وهو شهوة البطن ، فأوصاه بالتقوى فيه لتكمل ديانته وتحصل استقامته " انتهى .
"فيض القدير" (6 / 177).
ولكن ذلك لا يعني كراهة إمامة الأعزب ولا يعني أن غير المتزوج ليس بكامل الدين ، وخاصة إذا كان غير قادر على الزواج .
فإذا كان الرجل عفيفاً فلا يضره عدم الزواج .
والله تعالى أعلم .
تعليق