الحمد لله.
أولا :
قولك : " لكن لسوء الطالع ترتكب الكثير في الصلاة " هذه الكلمة يطلقها كثير من المسلمين وهم لا يعلمون أنها مخالفة للشريعة ، وقد سبق بيان مخالفتها للشريعة في جواب السؤال رقم : (158980).
ثانيا :
إذا عجز المسلم عن أداء الصلاة على صورتها الكاملة ، فإنه يأتي بما يستطيع ، ويسقط عنه ما لا يستطيعه ، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده وتيسيره لهم .
قال الله عز وجل : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن / 16 .
قال السعدي رحمه الله :
" هذه الآية تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد أنه يسقط عنه ، وأنه إذا قدر على بعض المأمور وعجز عن بعضه فإنه يأتي بما يقدر عليه ، ويسقط عنه ما يعجز عنه " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 868) .
وروى البخاري (7288) ومسلم (1337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام الْمُهِمَّة , وَمِنْ جَوَامِع الْكَلِم الَّتِي أُعْطِيهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَدْخُل فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَام كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا , فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَرْكَانهَا أَوْ بَعْض شُرُوطهَا أَتَى بِالْبَاقِي , وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْض أَعْضَاء الْوُضُوء أَوْ الْغُسْل غَسَلَ الْمُمْكِن , وَإِذَا وَجَدَ بَعْض مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاء لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَة فَعَلَ الْمُمْكِن , وَإِذَا وَجَدَ مَا يَسْتُر بَعْض عَوْرَته أَوْ حَفِظَ بَعْض الْفَاتِحَة أَتَى بِالْمُمْكِنِ ... وَهَذَا الْحَدِيث مُوَافِق لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ ) " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يجب على كل مسلم أن يصلي الصلوات الخمس في مواقيتها ، وليس لأحد قط أن يؤخر الصلاة عن وقتها لا لعذر ولا لغير عذر . لكن العذر يبيح له شيئين : يبيح له ترك ما يعجز عنه ، ويبيح له الجمع بين الصلاتين . فما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (21 / 428).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" يجب على كل مسلم أن يتعلم ما لا تصح صلاته إلا به ، من الأركان والواجبات والشروط ، ويستحب له أيضا أن يتعلم مكملات الصلاة من الأمور المستحبة ، كدعاء الاستفتاح ، لكن من لم يستطع أن يحفظ بعض أذكار الصلاة لكبر سنه أو أميته فصلاته صحيحة ، لقول الله تعالى: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) ، وقوله سبحانه : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) لكن يجب على المسلم أن يجتهد في حفظ الأمور الواجبة في الصلاة ، وأن يكرر ذلك حتى يتقنه ، ولو بعد حين " انتهى
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5 / 319) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أختي تبلغ من العمر 27 سنة ، ولديها تخلف نصفي في عقلها ، وهذا قول الدكتور لنا وما ظهر من تصرفاتها يدل على المس من الجن والله أعلم ؛ لأنها تضحك من غير سبب ، وطريقة الأكل تثير الاشمئزاز ، ولكن مع ذلك فهي تدرك الخير من الشر ، فهي تداوم على الصلوات الخمس ، لكنها لا تقرأ سوى الفاتحة وعندما نعلمها نجد صعوبة في نطقها وكثرة النسيان ، هل عليها ذنب في أداء صلاتها هكذا من غير تشهد ولا حتى آية قرآنية ؟
فأجابوا :
" إذا كان الأمر كما ذكر فلا حرج على أختك في اقتصارها على قراءة الفاتحة في الصلاة وتركها بقية أقوال الصلاة ؛ لأنها فعلت ما تقدر عليه ، ولا حرج عليها فيما تركته ولا تطالب بما لا تستطيع فعله أو حفظه ؛ لأنها معذورة في ذلك لحالتها المذكورة ، وعليكم أن تجتهدوا في تعليمها التشهد الأول والثاني وما تقوله في الركوع والسجود حسب الطاقة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6 / 385-386) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أصيبت والدتي بارتفاع في ضغط الدم ، فنتج عن ذلك شلل نصفي بحيث إنها لا تستطيع أن تحرك أعضاءها اليمنى ، وضعفت ذاكرتها فأصبحت تنسى بعض الآيات القرآنية ، وكذلك الفاتحة ، وكذلك بعض الأذكار التي تقال في الصلاة ، وثقل لسانها عن الكلام بحيث إنها لا تستطيع التفوه بالكلمة إلا بعد جهد كبير . فالسؤال : ما حكم صلاة والدتي إن تركت بعض الآيات أو الفاتحة أو بعض الأذكار الواجبة في الصلاة بعد اجتهادها ؟
فأجاب : " إذا كانت لا تستطيع إلا هذا فهي معذورة ؛ لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) لكن لتحرص غاية الحرص على أن تأتي بالفاتحة والأذكار الواجبة بقدر المستطاع ، ولو أن يكون عندها أحد يذكرها . أما الشيء المستحب كقراءة ما زاد على الفاتحة وقراءة ما زاد على سبحان ربي الأعلى في السجود وسبحان ربي العظيم في الركوع وما أشبه ذلك فلا بأس بتركه " انتهى .
وسئل أيضا :
لديه عمة لا تسمع ، وصلاتها عبارة عن تكبير وتحميد ودعاء دون أن تقرأ بأي سورة ولا فاتحة الكتاب ولا غير ذلك ، يقول : وأنا عاجز عن تعليمها لعدم سمعها ، فهل صلاتها صحيحة ؟ وهل آثم في أني لم أعلمها ؟
فأجاب : " أما صلاتها فصحيحة لقول الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وأما أنت فلا تأثم لأنك تقول لو علمتها لم تفهم ، فكيف تؤاخذ على شيء لا تقدر عليه ولا فائدة منه ؟ ويكفيها أن تسبح وتهلل وتكبر ونسأل الله لها ولنا القبول " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (140 / 20) .
وعلى هذا ، فينبغي الاجتهاد معها حتى تأتي بأركان الصلاة ووجباتها ، ولو وقف بجوارها أحد وهي تصلي يأمرها بقراءة الفاتحة ، والركوع والسجود ويجهر بالأذكار لتقول مثله فلا حرج في ذلك ، ولو صلى معها أحد جماعة ويجهر بالصلاة لتفعل مثله ، فلا حرج في ذلك أيضاً .
والله أعلم
تعليق