الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

أصابه الخوف واليأس خشية أن يستغنوا عنه في العمل ، فما النصيحة ؟

152340

تاريخ النشر : 05-11-2010

المشاهدات : 16913

السؤال

سؤالي يا فضيلة الشيخ أنا موظف أعمل مند عشر سنوات والآن قد صدر قرار بتقليص العمالة وأخشى أن أكون ممن سيستغنون عن خدماتهم ومنذ سماعي لهذا الخبر وأنا حزين وخائف ويائس ماذا افعل مع العلم أني مخلص في عملي انصحني

الجواب

الحمد لله.


هوّن على نفسك يا أخي ولا تيأس ولا تحزن ، وأحسن الظن بربك ؛ فإن الرب تعالى عند ظن عبده به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .
واعلم أنك تسعى فيما تجري به المقادير حسب ما قدر الله عليك قبل خلقك ، وأنه مدركك لا محالة ما كتب الله عليك .
قال الله تعالى : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22، 23
وقال السعدي رحمه الله :
" وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق ، من خير وشر ، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ ، صغيرها وكبيرها ، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول ، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب ، ولكنه على الله يسير ، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم ، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر ، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم ، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه ، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ ، لا بد من نفوذه ووقوعه ، فلا سبيل إلى دفعه ، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر ، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم ، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه ، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم " انتهى .
"تفسير السعدي" ( ص 842)
وهذا من ثمرة الإيمان بالقدر ، ولذلك تجد المؤمن – والمؤمن وحده - حين يعلم ذلك يهنأ بين نعمتين : نعمة الشكر ونعمة الصبر .
روى مسلم (2999) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ : إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )

واعلم أن العبد يطلبه رزقه كما يطلبه أجله ، ولن تموت نفس حتى تستوفي رزقها .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ) .
رواه ابن ماجة (2144) وصححه الألباني .

فلا تجزع كل الجزع على ما يصيبك منها ، وأحسن الظن بالله وتوكل عليه ؛ فإنه حَسْب من يتوكل عليه ، لا يضيعه أبدا ، وإنما يحفظه ويحفظ ذريته من بعده .
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/ 2 ، 3 .
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ) .
رواه الترمذي (2344) وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" حديث عمر هذا يدلُّ على أنَّ النَّاس إنَّما يُؤتون مِنْ قلَّة تحقيق التوكُّل ، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم ومساكنتهم لها ، فلذلك يُتعبون أنفسَهم في الأسباب ، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد ، ولا يأتيهم إلاّ ما قُدِّر لهم ، فلو حَقَّقوا التوكُّلَ على الله بقلوبهم ، لساقَ الله إليهم أرزاقهم مع أدنى سببٍ ، كما يسوقُ إلى الطَّير أرزاقها بمجرَّدِ الغدوِّ والرواح ، وهو نوعٌ من الطَّلب والسَّعي ، لكنه سعيٌ يسيرٌ .
وربما حُرِمَ الإنسانُ رزقَهُ أو بعضَه بذنب يُصيبه ، وقال عمر : بين العبد وبين رِزقه حِجاب ، فإن قنع ورضيت نفسه ، آتاه رزقُه ، وإنِ اقتحم وهتك الحجاب ، لم يزد فوقَ رزقه " انتهى "جامع العلوم والحكم" (2/321) .

فليكن توكلك على الله ، يا عبد الله ، وثقتك به ، ورجاؤك فيه ، لا في الأسباب ، والأعمال الدنيوية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ : مَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا : الِالْتِفَاتُ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ ، وَمَحْوُ الْأَسْبَابِ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْعِ . وَإِنَّمَا التَّوَكُّلُ وَالرَّجَاءُ مَعْنًى يَتَأَلَّفُ مِنْ مُوجِبِ التَّوْحِيدِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ . وَبَيَانُ ذَلِكَ : أَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى السَّبَبِ هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَيْهِ وَرَجَاؤُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ ، وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْتَحِقُّ هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شُرَكَاءَ وَأَضْدَادٍ ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَإِنْ لَمْ يُسَخِّرْهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ لَمْ يُسَخَّرْ ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَأَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْأَفْلَاكَ وَمَا حَوَتْهُ لَهَا خَالِقٌ مُدَبِّرٌ غَيْرَهَا " انتهى .
"مجموع الفتاوى" ( 8 / 169 ) .

فإذا علمت أن السعي في طلب الرزق ، ومزاولة الأعمال ، والأخذ بالأسباب ، إنما هي مفاتيح لنيل ما عند الله جل جلاله ، فلا تقف عند باب واحد ، فربما أغلق عليك ، ليفتح لك ما هو خير منه ، وربما فاتك هذا ، لتدرك آخر قد سبق لك في اللوح المحفوظ قسمه وتقديره ؛ فاجعل شغلك بما عند الله ، وهمك في طاعته ، وتنفيذ أمره .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فرِّغ خاطرك للهمِّ بما أُمرت به ، ولا تشغله بما ضمن لك ؛ فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان ، فما دام الأجل باقيا كان الرزق آتيا ، وإذا سد عليك بحكمته طريقا من طرقه ، فتح لك برحمته طريقا أنفع لك منه ؛ فتأمل حال الجنين : يأتيه غذاؤه وهو الدم ، من طريق واحدة وهو السرة ، فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطريق ، فتح له طريقين اثنين ، وأجرى له فيهما رزقا أطيب وألذ من الأول : لبنا خالصا سائغا ، فإذا تمت مدة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام ، فتح طرقا أربعة أكمل منها : طعامان وشرابان ؛ فالطعامان من الحيوان والنبات ، والشرابان من المياه والألبان ، وما يضاف اليهما من المنافع والملاذ ، فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة ، لكنه سبحانه فتح له ـ إن كان سعيدا ـ طرقا ثمانية ، وهى أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ، فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا إلا ويؤتيه أفضل منه ، وأنفع له ، وليس ذلك لغير المؤمن ، فإنه يمنعه الحظ الأدني الخسيس ، ولا يرضي له به ، ليعطيه الحظ الأعلى النفيس ، والعبد لجهله بمصالح نفسه ، وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه ، لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له ، بل هو مولع بحب العاجل وإن كان دنيئا ، وبقلة الرغبة في الآجل وإن كان عليا !! " .
"الفوائد" ، لابن القيم (57) .

راجع لمعرفة دعاء الكرب والحزن جواب السؤال رقم : (5112)
وراجع في التوكل والأخذ بالأسباب جواب السؤال رقم (130499)
وراجع للاستزادة جواب السؤال رقم : (71236) ، (118262)
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب