الحمد لله.
يشترط لصحة النكاح عند جمهور الفقهاء : وجود ولي المرأة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود (2085) والترمذي (1101) وابن ماجه (1881) من حديث أبي موسى الأشعري ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقوله صلى الله عليه وسلم : (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وعليه فإن الزواج المذكور لم يصح ، لعدم وجود الولي والشهود ، وقول الرجل : إنه كان هناك من يشهد ذلك ، مجرد دعوى ، وقد يكون كاذباً ، وعلى فرض وجود شاهدين ، فلا بد أن يكونا عدلين ، والغالب أنه لا يشهد هذا العبث والخنا إلا أفسق الفسقة ، فلا يصح النكاح بشهادتهما .
والنكاح الفاسد - كالنكاح مع وجود شاهدين عدلين لكن بدون ولي - إذا أجراه حاكم أو نائبه ، فهو مع فساده لا تخرج منه المرأة إلا بالطلاق عند بعض الفقهاء مراعاة لوجود الخلاف فيه .
وأما النكاح بدون ولي وشهود فهو نكاح باطل لا فاسد ، والنكاح الباطل لا يعتد به باتفاق العلماء ، ولا يحتاج إلى طلاق .
قال في مغني المحتاج (4/ 245) : " أما الوطء في نكاح بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزما لانتفاء شبهة العلماء ".
وفي حاشية العطار على جمع الجوامع (2/ 442) : " ونقل الإسنوي في تمهيده عن القرافي في شرح المحصول أنه يشترط جواز تقليد مذهب الغير أن لا يكون موقعا في أمر يجمع على إبطاله إمامه الأول وإمامه الثاني فمن قلد مالكا مثلا في عدم النقض باللمس الخالي عن الشهوة فلا بد أن يدلك بدنه ويمسح جميع رأسه , وإلا فتكون صلاته باطلة عند الإمامين ا هـ . قال الإسنوي ومن فروع هذه المسألة إذا نكح بلا ولي تقليدا لأبي حنيفة أو بلا شهود تقليدا لمالك ووطئ فإنه لا يحد فلو نكح بلا ولي ولا شهود أيضا حد كما قاله الرافعي ; لأن الإمامين قد اتفقا على البطلان ".
والحاصل أن ما تم بينك وبين هذا الرجل لا يعتبر نكاحاً
صحيحاً ؛ لعدم الولي والشاهدين العدلين ، فلا تحتاجين إلى طلاق ، ولك أن تتزوجي ممن
تقدم لك ، مع التوبة إلى الله تعالى من العلاقة المحرمة .
قال الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة
الأزهر :
" عقد الزواج كغيره من العقود له أركان وشروط صحة لا بدَّ أن تتوافر فيه حتى يكون
صحيحاً، ومن أركان عقد الزواج الصيغة بمعنى أن يقول ولي أمر المرأة مثلاً: زوجتك
ابنتي أو أختي، ويقول الرجل الراغب في الزواج: قبلت زواجها .
فلا بد من هذه الصيغة للدلالة على إرادة المتعاقدين ، وأيضاً من أركان العقد : ولي
أمر المرأة ، بمعنى أن ولي أمر المرأة هو الذي يجب أن يتولى عقد الزواج بنفسه أو
بوكالة، فيقول: زوجتك ابنتي أو موكلتي، ويقول الآخر: قبلت، وذلك بناء على أحاديث
متعددة وردت في هذا المجال تبين أنه لا بد لعقد الزواج من وجود ولي أمر المرأة مثل
قوله صلى الله عليه وسلم : (لا نكاح إلا بولي) وقوله صلى الله عليه وسلم : (أيما
امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) قال ذلك ثلاث مرات .
وأيضاً من شروط الصحة : أن يشهد العقد شاهدان على الأقل إلى آخر ما هو مطلوب في عقد
الزواج من شروط كخلو المرأة من الموانع الشرعية التي تمنع العقد عليها ككونها بنتاً
أو محرماً على العموم لمن يريد الزواج بها أو أختاً له من الرضاعة أو أماً أو عمة
أو خالة، وأيضاً ألا تكون معتدة من طلاق أو وفاة إلى غير ذلك من شروط معروفة في فقه
الإسلام .
فإذا توفرت في عقد الزواج الأركان وشروط الصحة كان عقداً صحيحاً، لا يحتاج من
الناحية الشرعية إلى التوثيق عند الجهات التي خصصتها الدولة لتوثيق عقود الزواج،
وهي المأذون ... وعقود الزواج في عهد رسول الله والصحابة لم توثق، وأيضاً في عصر
التابعين ومن بعدهم، وحتى وقت قريب في مصر إلى سنة 1936 عندما صدرت لائحة ترتيب
المحاكم، وهي التي اشترط فيها لكي تسمع دعوى الزوجية عند الإنكار أن يكون عقد
الزواج موثقاً عند إحدى الجهات التي خصصتها الدولة لتوثيق عقود الزواج .
لكن العقد يصح كما قلت دون توثيق كتابي، وغاية ما في الأمر أن القانون في مصر وفي
غيرها من البلاد الإسلامية والعربية يشترط التوثيق حتى تسمع دعوى الزوجية، وحتى
يترتب على العقد حقوق لكلا الطرفين، وهذا التوثيق دعا إليه شيوع الكذب وشهادة الزور
في العصر الحديث، فكان من الشائع أن يدعي رجل على امرأة أنه تزوجها، ويستعين بشاهدي
زور، أو تدعي هي الأخرى أنه تزوجها، وتستعين بشهود زور كذلك، فدرءاً لهذا الخطر
الذي يفتح الباب أمام دعاوى الزواج، وقد تكون الدعوى من رجل ليس أهلاً للمرأة التي
يدعي حصول عقد الزواج بها اشترط القانون لكي تسمع الدعوى عند الإنكار أن يكون عقد
الزواج موثقاً .
وعلى هذا فالزواج العرفي بالمعنى الذي شرحته لا بالمعنى الحادث الآن، وهو ما يحدث
بين الشباب في بعض الجامعات من أنهم يزوجون أنفسهم دون ولي للفتاة، ويتبادلون
الشهادة مع بعضهم، فهذا نوع من الزواج الفاسد أو الباطل .
ويجب أن يعامل بشدة لمنع هذا العبث بالأعراض ،وهو إذا أفهم الشباب الحكم الشرعي له،
وأنه باطل يكون من قبيل الزنا؛ لأنهم أعلموا ببطلانه، ومع ذلك أقدموا عليه، وأما
إذا لم يعلموا ببطلانه فيجب أن نعلمهم بأن هذا العقد لا يجيزه الشرع، ويجب أن
يُفرَّق بين الذين واللاتي تزوجوا وتزوجن بهذه الطريقة التي هي عبث للأعراض " انتهى
من إسلام أون لاين
والله أعلم .
تعليق