الخميس 16 شوّال 1445 - 25 ابريل 2024
العربية

ما حكم من يسرق مقالات وكتب وجهود غيره فينسبها لنفسه ؟

153846

تاريخ النشر : 04-12-2010

المشاهدات : 64515

السؤال


هل يجب على من ينقل المقالات ومقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية من مواقع أخرى أن يذكر المصدر ؟ وهل يحق لصاحب المقالة أو المقطع أن يستاء إذا رأى مقالته منشورة في مكان ما دون ذكر اسمه ؟ . في الحقيقة : أنا من الناشطين في مجال الدعوة بالكتابة والمقاطع الصوتية والمرئية ، وقد وجدت في مرات عديدة أن بعض الإخوة والأخوات يأخذون هذه المواد وينشرونها دون أن يذكروا اسمي ، بل إنهم أحياناً يضيفون ويحذفون من محتوى هذه المواد دون إذن مني ، ربما هم يفعلون ذلك بدافع الدعوة ونشر الخير ولكن ليس بهذا الاسلوب ، ومما يدلل على حسن نواياهم أنهم لا يذكرون أسماءهم أيضاً ، وإلا لكانت الطامّة أشد . لا أدري ما سبب هذه الفوضى ، ولا أظن أنه من المناسب أن أسألهم ، كما أني لا أعرف هؤلاء الإخوة والأخوات ، ولكني في الحقيقة أشعر باستياء شديد حيال ذلك ، لطالما حاولت إقناع نفسي أن هذا عمل خير ودعوة وأنه يجب عليَّ أن ابتغي الأجر من الله تعالى وأن أغض الطرف عن مثل تلك الأفعال ، ولكن الكيل طفح هذا الصباح عندما رأيت مقالة هي من بُنيّات أفكاري منشورة دون أن يُذكر اسمي أو المصدر . فأريد أن أعرف : ما حكم استيائي هذا ؟ هل يقدح ذلك في إخلاصي ؟ أنا في الحقيقة في حيرة ، لا أدري إن كان استيائي هذا دافعه حب الظهور ، أم إنه شعور بعدم احترام الملكية الفكرية للآخرين ، علماً أنني لا أستخدم اسمي الحقيقي عند كتابة هذه المواد الدعوية ، لذلك فإن الناس لا يعرفون من هو كاتبها على وجه التحديد ، بمعنى أن دافع حب الظهور قد يكون معدوماً . أرجو منكم المساعدة ، ماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟ أو بالأصح : ماذا يجب على هؤلاء الإخوة والأخوات أن يفعلوا ؟ هل يجوز لهم نقل مثل هذه المواد دون أن يعزوها إلى أصحابها أو دون أن يذكروا المصدر ؟ أرجو ذكر الدليل من الكتاب والسنة . ربما يبدو أن الأمر يسير في نظر بعض الأشخاص ولكنه ليس كذلك بالنسبة لي ، إنني أبكي في بعض الأحيان بسبب ذلك .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
نرجو أن تهوِّن على نفسك أخي السائل فالأمر لا يستحق البكاء ، وما دمت تريد الفائدة للناس ورأيت جهودك تنتشر في المواقع والمنتديات ، فإن هذا ينبغي أن يدعوك للفرح لا للحزن .
ولعلَّ مما يسلِّيك في هذا الباب ما صحَّ عن الإمام الشافعي رحمه الله من قوله : " وددتُ أن الخلْق تعلموا منِّي هذا العلمِ على أن لا ينسب إليَّ حرف منه " ، وإنما نُسب له العلم لأنه باشر التعليم بشخصه ، والناس لا تأخذ العلم عن مجهول فلذا كتب اسمه على مصنفاته ، وبما أنك لا تكتب باسمك الحقيقي فإنه يمكنك تحقيق أمنية الإمام الشافعي بما تصنعه من مواد دعوية وبما تنشره من مقاطع صوتية ومرئية .
ومن حقك أن تُنسب أعمالك وأقوالك لك ، ولا يجوز لأولئك نشر تلك المواد دون إحالة على مصدرها الذي نقلوا عنه ، ومن حقك مراسلة الموقع ومحاسبته على عدم الإحالة ، لكننا في الوقت نفسه نرى أن عليك أن تفرح بأعمالك التي تلقى رواجاً في المواقع الإلكترونية ويستفيد منها القرَّاء ، والتاريخ يبيِّن الحقائق ويميِّز الصادق من الكاذب ؛ فأنت تعلم أنه لا يُنشر شيء في منتديات الإنترنت إلا بتاريخ ، فمن نشر المواد التي قمت بصياغتها أو كتابتها ، فإنه يمكن تبيين حقيقة المصدر من خلال تاريخ النشر ، فيتبين للناس الفارق بين المصنِّف والسارق .
وهناك اقتراح يمكن أن يكون نافعاً لك ، وهو أن تنشئ صفحة خاصة بك تجمع بها أعمالك ليسهل النقل عنها والإحالة عليها ؛ فإن كثيرين قد لا يتبين لهم أن ما ينقلونه عنك هو من عمل يدك أنت ، ولذا لا تراهم ينسبونه لك .

ثانياً:
أما بخصوص من ينسب أعمال غيره لنفسه ولا يحيل على مصدرها : فإنه قد وقع في محاذير كثيرة ، وينبغي أن يتنبه لنفسه ولا يستمر في هذه الطريق التي تحرمه من الأجور ، ومن هذه المحاذير :
1. منافاة لعمله للإخلاص .
والمسلم مأمور بالإخلاص في جميع طاعاته وعباداته ، قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) البينة/من الآية 5 ، وما يفعله مَن يسطو على جهود غيره لينشرها باسمه يتنافى عمله هذا مع الإخلاص ؛ لأنه يريد الذِّكر والشهرة والتكثر بما ليس من فعله ، ولو أراد وجه الله وثواب الآخرة لعلم أن الله تعالى لا يقبل عملاً يدَّعيه لنفسه وهو ليس له ، ولكفَّ عن فعله هذا ونسب العمل لصاحبه ، ولو فعل هذا فإنه يأخذ الأجر في التعليم والدلالة على الخير كاملاً غير منقوص ، والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا طيِّباً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً ) .
رواه مسلم ( 1015 ) .
2و3. الكذب في نسبة ما ليس له أنها له ، والتشبع بما لم يُعط .
عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ) .
رواه البخاري ( 4921 ) ومسلم ( 2130 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –
وأما حكم التثنية في قوله ( ثَوْبَيْ زُور ) : فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى ؛ لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ ، وعلى غيره بما لم يُعطِ ، وكذلك شاهد الزور ، يظلم نفسه ، ويظلم المشهود عليه .
" فتح الباري " ( 9 / 318 ) .
وقال الشيخ محمد جمال الدين القاسمي – رحمه الله - :
لا خفاء أن مِن المدارك المهمة في باب التصنيف : عزوَ الفوائد والمسائل والنكت إلى أربابها تبرؤا من انتحال ما ليس له ، وترفعاً عن أن يكون كلابس ثوبي زور ، لهذا ترى جميع مسائل هذا الكتاب معزوة إلى أصحابها بحروفها وهذه قاعدتنا فيما جمعناه ونجمعه .
" قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث " ( ص 40 ) .
4. السرقة .
قال الأستاذ عصام هادي – وفقه الله - :
لما كثر اللغط حول ما يفعله بعض إخواننا من نقل لكلام دون أن يعزو ذلك إليهم : سألت شيخنا هل هذه سرقة أم لا ؟ .
فقال شيخنا : نعم هو سرقة ، ولا يجوز شرعاً ؛ لأنه تشبّع بما لم يعط ، وفيه تدليس وإيهام أن هذا الكلام أو التحقيق من كيس علمه .
فقلتُ : شيخنا بعضهم يحتج بما وقع فيه بعض العلماء السابقين ؟ .
فقال : هل يفخرون بذلك ؟ لا ينبغي لطالب العلم أن يفخر بذلك ، واعلم - يا أستاذ - أن المنقول هو أحد أمرين :
فمن نقل كلاماً لا يشك أحد رآه أنه ليس من كلامه كمثل ما أقوله أنا وغيري : " إن فلاناً ضعيف أو ثقة " : فكل من يقرأ هذا يعلم أن هذا ليس كلامي ، فهذا يُغتفر ، أما ما فيه بحث وتحقيق فلا يجوز أياً كان فاعله .
" الألباني كما عرفته " عصام موسى هادي ( ص 74 ، 75 ) .
5و6. نزع البركة ، وعدم شكر النعمة .
قال النووي – رحمه الله – معلقاً على حديث ( الدِّين النَّصيحة ) - :
ومن النصيحة : أن تضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها ، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ، ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له : فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ، ولا يبارك له في حال ، ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها ، نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائماً .
" بستان العارفين " ( ص 4 ) – ترقيم الشاملة - .
وقال السيوطي – رحمه الله - :
ومن بركة العلم وشكره : عزْوُه إلى قائله .
قال الحافظ أبو طاهر السِّلَفي : سمعت أبا الحسن الصيرفي يقول : سمعت أبا عبد اللّه الصوري يقول : قال لي عبد الغني بن سعيد : لما وصل كتابي إلى عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه وذكر أنه أملاه على الناس وضمّن كتابه إليّ الاعترافَ بالفائدة وأنه لا يذكرها إلاّ عني .
وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال : حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : سمعت أبا عبيد يقول : منْ شكر العلم أن تستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت : خفي عليَّ كذا وكذا ولم يكن لي به علم حتى أفادني فلان فيه كذا وكذا فهذا شكر العلم . انتهى
قلت – أي : السيوطي - : ولهذا لا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفاً إلاّ معزواً إلى قائله من العلماء مبيِّناً كتابه الذي ذكر فيه .
" المزهر في علوم اللغة " ( 2 / 273 ) .

ثالثاً:
ذكر الأستاذ محمد رشيد رضا جنايات وذنوب كثيرة يتلبس بها من يسرق جهود غيره وينسبها لنفسه ، وجعل هذه السرقة شرّاً من سرقة المال ، حيث قال – رحمه الله - :
تكرر منا الانتقاد على الجرائد التي تنقل كلام غيرها ولا تعزوه إلى صاحبه ، وقد يكون هذا من البعض عن عمد فيكون سرقة شرًّا من سرقة الأموال والعروض ؛ لأن في سرقة دينار من رجل ذنبًا واحدًا ، وفي سرقة الكلام عدة ذنوب :
أحدها : التعدي على حقوق الناس وانتحالها لنفسه ، وهو المراد بتسميتها سرقة .
وثانيها : الخيانة في العلم ، وهو لا ينجح إلا بالأمانة , وهي نسبة كل قول إلى قائله وكل رأي
إلى صاحبه .
وثالثها : الكذب ، وهو ظاهر .
ورابعها : التبجح والافتخار بالباطل ، وقد ورد في الحديث الصحيح ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) .
خامسها : الغش ؛ فإن من الناس مَن إذا علم أن هذا القول لفلان يأخذ به ويقلده ، لأن التقليد مبني على الثقة , فإذا نسب القول إلى غير صاحبه يتركه من لو علم صاحبه لأخذ به وانتفع لثقته به دون من نسب إليه , ويأخذ به من يثق بالمنتحل على أنه له وما هو له .
سادسها : الجناية على التاريخ الذي يبين مراتب الناس وأقدارهم في العلم .
ولا شك أن المحدثين يعتبرون هؤلاء المنتحلين من الوضاع الكاذبين حتى لا يثقون برواية لهم وكذلك يجب .
" مجلة المنار " ( 3 / 569 ) .

والخلاصة :
قد رأيت أخي السائل ما يجني به المنتحل لجهود غيره من جنايات ومساوئ وما يستحقه من صفات وأحكام ، فالمرجو من الكتَّاب – في المواقع الإلكترونية وغيرها – أن يكفوا عن هذا العبث ، وأن يصدقوا مع أنفسهم ، وأن يلتزموا بالأمانة ، فعسى الله أن يكتب لهم الأجور كاملة يوم القيامة إن هم فعلوا ذلك .
وأنت أخي السائل : قد رأيت ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله ، فلتتخذه قدوة لك ، وخاصة أنك لا تكتب باسمك الصريح ، فلا تلتفت لذِكر الناس وثنائهم ، واجعل همَّك الحصول على رضا ربك عز وجل فهو خير لك .
وانظر جواب السؤال رقم ( 131437 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب