الحمد لله.
جعل الله قرار المرأة المسلمة في بيتها ؛ صيانة لها عن الفتنة ، وحفاظا لها من أعين الناظرين وألسن السفهاء ، وهم كثير في هذا الزمان .
قال الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) الأحزاب / 33 . وهذا خطاب لأمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدخل معهن فيه نساء المؤمنين ؛ لأنهن القدوة في الصيانة والتعفف .
وفي جلوس أولئك النسوة أمام المحلات عدة محاذير ومفاسد ، منها :
أولا : أن هذا الخروج إذا كان لغير حاجة فهو خلاف ما أمر الله به في كتابه ، فالمرأة المسلمة لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ، وإذا خرجت خرجت متحجبة متسترة بعيدة عن مواطن الفتنة والفساد .
ثانيا : إساءة الظن بهن ، لأن العادة جارية بأن الجلوس أمام المحلات والمارة في الشوارع لا يكون إلا من ناقصي المروءة والحياء ، وذلك في الرجال ، وهو في النساء أشد .
فإذا مر شباب من أولئك المجان بهؤلاء النسوة ، وهن بتلك الحالة ، استباحوا منهن ما لا يستبيحون من غيرهن ؛ لأن في جلوسهن هذا ما يدعو للريبة وتسويل الشيطان .
ثالثا : أن ذلك مدعاة لاختلاط الرجال بالنساء ، وهو من أعظم أسباب الفساد .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر , وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة , كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا , وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات ، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعا لذلك " انتهى مختصرا .
"الطرق الحكمية" (ص 407-408).
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" منع الإسلام من الاختلاط بين الرجال والنساء حتى في مواطن العبادة ، فجعل موقف النساء في الصلاة خلف الرجال ، ورغب في صلاة المرأة في بيتها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ) كل ذلك من أجل المحافظة على كرامة المرأة وإبعادها عن أسباب الفتنة .
فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على كرامة نسائهم ، وأن لا يلتفتوا إلى تلك الدعايات المضللة ، وأن يعتبروا بما وصلت إليه المرأة في المجتمعات التي قبلت مثل تلك الدعايات وانخدعت بها ، من عواقب وخيمة ، فالسعيد من وعظ بغيره " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (17 / 247) .
وقال ابن باز رحمه الله :
" خير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو بيتها . وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب ; لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر , وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي , وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا , وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها . فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (1 / 422) .
رابعا : جلوسهن أمام المحلات وفي الطرقات لا يسلمن فيه في العادة من انكشاف أيديهن وأرجلهن ، وعلو أصواتهن ، مع ما قد يصحب ذلك من الضحك والقهقهة وكثرة الكلام والصياح .
خامسا : أن الخروج إلى تلك الأماكن قد يفوت عليهن كثيرا من المصالح الدنيوية والأخروية ، مع ضياع كثير من الحقوق التي تجب عليهن تجاه أزواجهن وأبنائهن ، أو آبائهن وأمهاتهن .
وأعظم ذلك : الصلاة التي قد تضيع أو تؤخر عن وقتها بسبب الخروج إلى الأسواق .
سادسا : أن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر الرجال من الجلوس في الطرقات إلا إذا أدوا الطريق حقه ، وهو أمر صعب بالنسبة للرجال في زماننا هذا ، لكثرة المنكرات التي في الشوارع والطرقات ، فمنع النساء من الجلوس في الطرقات لكثرة المنكرات بها أولى وأولى .
روى البخاري (2465) ومسلم (2121) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ) فَقَالُوا : مَا لَنَا بُدٌّ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا . قَالَ : ( فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا ) قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قَالَ : ( غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الْأَذَى ، وَرَدُّ السَّلَامِ ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ ) .
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ ) يعني احذروا من الجلوس فيها ؛ لأن الجالس فيها قلما يسلم من رؤية ما يكره وسماع ما لا يحل والاطلاع على العورات ومعاينة المنكرات وغيرها .
والحاصل : أن المشروع للمرأة المسلمة أن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة ، وإذا خرجت إلى السوق لشراء ما تحتاج إليه لم تُطل البقاء في السوق لغير حاجة ، وتبادر بالرجوع إلى بيتها ، ولتبتعد عن مواطن الفتنة ، حفاظاً عليها من ألسن السفهاء ونظراتهن .
والله أعلم .
تعليق