الحمد لله.
لم نقف على هذا الحديث بعد البحث عنه فيما بين أيدينا من كتب السنة أو الكتب التي اعتنت بنقل آثار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، أو الكتب التي اعتنت بتوثيق فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبيان سياسته وأقضيته .
والذي يغلب على الظن أن هذه القصة مكذوبة لا أصل لها .
ثم إن هذه الرواية الواردة في السؤال لم تذكر سبب قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك الرجل ، بل ظاهرها يدل على أنه لا ذنب له ، ولم يفعل ما يستحق أن يقتل عليه ، وإنما كان يشكو للنبي صلى الله عليه وسلم حال امرأته ووقوعها في الفاحشة .
ثانياً :
لعله اختلط على من كتب هذا الحديث أو حَدّث به ، لعله اختلط عليه بحديث آخر يُروَى
عن أبي الأسود قال : ( اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى بينهما ،
فقال الذي قضى عليه : ردنا إلى عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: انطلقا إليه .
فلما أتيا إليه قال الرجل : يا ابن الخطاب ! قضى لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
على هذا فقال : ردنا إلى عمر . فردنا إليك . فقال : أكذاك ؟ فقال : نعم . فقال عمر
: مَكَانَكُمَا حتى أخرج إليكما فأقضي بينكما .
فخرج إليهما مشتملاً على سيفه ، فضرب الذي قال : رُدَّنا إلى عمر . فقتله ، وأدبر
الآخر فاراً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ! قتل عُمَر
والله صاحبي ، ولولا أني أعجزتُه لقتلني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما
كنت أظن أن يجترئ عُمَر على قتل مؤمن . فأنزل الله : ( فَلا وَرَبِّكَ لا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ) الآية ، فهدر دم ذلك الرجل ، وبرئ عمر من قتله ،
فكره الله أن يسن ذلك بعد ، فقال : ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ
اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا
قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا
لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) النساء/66. )
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " وسنده ضعيف ، وقد ضعفه الحافظ ابن كثير بقوله :
"وهو أثر غريب ، وهو مرسل ، وابن لهيعة ضعيف" انتهى من " تفسير القرآن العظيم "
(2/351) .
وله شاهد آخر مرسل ، يرويه ضمرة بن حبيب : ( أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل ، فقال المقضي عليه : لا أرضى . فقال صاحبه : فما
تريد ؟ قال : أن نذهب إلى أبي بكر الصديق . فذهبا إليه فقال الذي قضي له : قد
اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه ؟ فقال أبو بكر : فأنتما على ما
قضى به النبي صلى الله عليه و سلم . فأبى صاحبه أن يرضى وقال : نأتي عمر بن الخطاب
. فأتياه ، فقال المقضي له : قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه
فأبى أن يرضى ، ثم أتينا أبا بكر الصديق فقال : أنتما على ما قضى به النبي صلى الله
عليه وسلم . فأبى أن يرضى ، فسأله عمر ؟ فقال : كذلك . فدخل عمر منزله فخرج والسيف
في يده قد سله فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا ) النساء/65 ) .
رواه ابن دحيم في " تفسيره " – كما نقله الحافظ ابن كثير في " تفسير القرآن العظيم
" (2/351) – قال : حدثنا شُعَيب بن شعيب ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عتبة بن
ضَمْرَة ، حدثني أبي به .
وسنده ضعيف ، فضمرة بن حبيب توفي سنة (130هـ) ، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ،
وغالب روايته عن التابعين وليست عن الصحابة رضوان الله عليهم ، فالسند غير متصل .
والحاصل : أن هذا الحديث
أيضا لا يصح ، ولكنه – مع غرابته – يمكن حمله على وجه مقبول ، وهو أن من يرفض حكم
النبي صلى الله عليه وسلم ولا يرضى به ، ويبحث عن حاكم غيره عليه الصلاة والسلام من
فعل ذلك ليس بمسلم ، ويكون مرتداً ، وعقوبة المرتد القتل .
أما الحديث الذي ذكره السائل فليس فيه ما يبيح قتل هذا الرجل حسب الرواية التي ذكرت
في السؤال .
والله أعلم .
تعليق