الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يقول : أستخدم الفلسفة للتفكر في الإسلام والقرآن .

158665

تاريخ النشر : 14-01-2011

المشاهدات : 30345

السؤال

إني استخدم الفلسفة كأداة للتفكر في الإسلام والقرأن، ليس على سبيل اختلاق أمور جديدة ولكن على سبيل التفكر في مخلوقات وعظمة الخلق والخالق فيعود ذلك عليّ بالفائدة وقوة الإيمان. فمن ضمن تأملاتي، مثلاً في قوله تعالى "ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" فمن خلال تأملي في هذه الآية أجد أن كل شيء خلقه الله في هذه الحياة عبارة عن طريقين، خير وشر، رجال ونساء، جيد وسيء، ناقص ومكتمل ... إلخ. حتى الخلق أنفسهم مختلفون عن الخالق، فهو كامل الصفات وهم ليسوا كذلك ... كقوله تعالى " ولم يكن له كفواً أحد" وفي قوله تعالى "كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" فهذه الآية اتضح لي منها مدى التناقض الذي يؤمن به المسيحيون، فتراهم يؤمنون بأن عيسى إله ثم يقولون بأنه بشر وأنه صُلب، فكيف يمكن لإله أن يحدث له هذا ؟!! إن التأمل في هذه الأيات يرفع من مستوى الإدراك لدي، وقد استفدت الكثير من العلم عن طريق هذا التأمل الفلسفي في آيات القرأن الكريم. فهل فعلي هذا صحيح أم لا؟ وما توجيهكم؟

الجواب

الحمد لله.


أنزل الله تعالى القرآن ليتلى ويتدبر ويعمل بما فيه .
قال الله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) محمد/ 24 ،
وقال سبحانه : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص/29 .
قال السعدي رحمه الله :
" هذه الحكمة من إنزاله ، ليتدبر الناس آياته ، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره ، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن ، وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود " انتهى من تفسير السعدي [ص 712]
وقال الشنقيطي رحمه الله :
" تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به ، أمر لا بد منه للمسلمين ، وإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له من أعظم المناكر وأشنعها ، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى " انتهى من أضواء البيان" (50 /25)
وهذا التأمل والتدبر حتى يكون صحيحاً وممدوحاً لا بد أن يقيد بضوابط لا يخرج عنها ، فلا بد في هذا التدبر أن لا يخالف نصاً في القرآن أو السنة .
ولا بد فيه أن لا يخالف تفسير الصحابة والسلف للآية .
ولا بد فيه أن لا يخرج عن مقتضى اللغة العربية .
ولا بد فيه أن لا يخرج عن مقاصد الشريعة وقواعدها .
فإن هذه الضوابط تضمن للمتأمل في كتاب الله عدم الخطأ في فهم الآيات ، ثم إن أخطأ ، فسيكون خطأه قريباً ، مما يحتمله لفظ الآية وسياقها .

أما ما يتخيله بعض الناس أنه من التدبر لكتاب الله فيخرج به عن فهم السلف وتفسير الصحابة إلى استحسانات متوهمة واجتهادات خاطئة وتأملات شاردة وأقيسة باطلة فهذا ليس من التدبر المأمور به ، بل هو من الجرأة على الله ، أن يقول : إن الله أراد بهذه الآية كذا ، وهو ليس عنده علم بهذا .

ولا يصح التعويل على الخواطر ، وما يظهر للذهن لأول وهلة ، فإن ذلك من المناهج الخاطئة في تدبر القرآن الكريم .
وقد جاءت آثار في التحذير من تفسير القرآن بالرأي ، وبيَّن الطاهر بن عاشور المقصود منها فقال :
" أولها : أن المراد بالرأي هو القول عن مجرد خاطر دون استناد إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة وتصاريفها ، وما لا بد منه من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول ، فهذا لا محالة إن أصاب فقد أخطأ في تصوره بلا علم ، لأنه لم يكن مضمون الصواب ، كقول المثل رمية من غير رام .
ثانيها : أن لا يتدبر القرآن حق تدبره فيفسره بما يخطر له من بادئ الرأي دون إحاطة بجوانب الآية ومواد التفسير مقتصراً على بعض الأدلة دون بعض ، كأن يعتمد على ما يبدو من وجه في العربية فقط ، كمن يفسر قوله تعالى : (ما أصابك من حسنة فمن الله) الآية على ظاهر معناها يقول : إن الخير من الله والشر من فعل الإنسان ، بقطع النظر على الأدلة الشرعية التي تقتضي أن لا يقع إلا ما أراد الله ، غافلاً عما سبق من قوله تعالى (قل كلٌّ من عند الله)
ثالثها : أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة فيتأول القرآن على وفق رأيه ويصرفه عن المراد ويرغمه على تحمله ما لا يساعد عليه المعنى المتعارف ، فيجر شهادة القرآن لتقرير رأيه ، ويمنعه عن فهم القرآن حق فهمه ما قيد عقله من التعصب" انتهى باختصار .
من "التحرير والتنوير" (1 /30-31).

وما ذكرته من التدبر حسن لا بأس به ؛ لأنه لا يخرج عن حدود الفهم الصحيح للقرآن ، بل يوافقه ، ولكن لا يسمى مثل ذلك تأملاً فلسفياً .
وينبغي أن تهتم بكتب تفسير القرآن الكريم ، فإنها تساعدك على فهم القرآن فهماً صحيحاً ، كتفسير الطبري ، وابن كثير ، والقرطبي ، والسعدي .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب