الحمد لله.
الأصل في التحية عند اللقاء أن تكون المصافحة باليد ، وإن كان هذا اللقاء بعد طول غياب أو بعد سفر فلا مانع من العناق والالتزام .
وفي كل الأحوال لا يجوز انحناء أحد الطرفين للآخر ، لا عند كل لقاء ولا بعد رجوع من سفر ، لا لمسلم ولا لكافر ، لا لملِك ولا لكبير ولا لقريب ؛ لأن الانحناء فيه ذلٌّ لا ينبغي أن يكون إلا لله تعالى ، وفيه مشابهة لفعل الأعاجم ، وفيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن الحديث – وقد رواه الترمذي وابن ماجه وفيه " الرجل يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ " قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا ) " .
وهذا الحديث حسنه الترمذي والألباني ، وأكثر أهل العلم على تضعيفه .
وقد تتابعت فتاوى العلماء على المنع من الانحناء عند
اللقاء ، ويشتد المنع إذا ازداد الانحناء حتى صار قريباً من الركوع أو أدنى منه ،
والفعل محرَّم إن قُصد به التحية ، لكنه إن كان ركوعاً أو سجوداً ويراد به تعظيم
ذلك المخلوق كتعظيم الله فيكون فاعله كافراً مرتدّاً .
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"وأما الانحناء عند التحية : فينهى عنه ؛ كما في الترمذي عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنهم سألوه : عن الرجل يلقى أخاه ينحني له ؟ قال ( لا ) ، ولأن الركوع والسجود
لا يجوز فعله إلا لله عز وجل ، وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما قال
في قصة يوسف ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ ) ، وفي شريعتنا : لا يصلح السجود إلا لله ، بل قد تقدم نهيه
عن القيام كما تفعل الأعاجم بعضها لبعض ، فكيف بالركوع والسجود ؟! وكذلك ما هو ركوع
ناقص ، يدخل في النهي عنه" .انتهى من" فتيا في حكم القيام والانحناء والألقاب "
لابن تيمية ، تحقيق : الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان ، " مجلة البحوث
الإسلامية " ( 20 / 297 ) .
وقال – رحمه الله - :
"وأما كشف الرءوس والانحناء : فليس من السنة ، إنما هو مأخوذ عن عادات بعض الملوك
والجاهلية ، والمخلوق لا يسأل كشف رأس ، ولا ركوع له ، وإنما يركع لله في الصلاة ،
وكشف الرءوس لله في الإحرام" .انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 11 / 554 ) .
2. وقال سليمان البجيرمي الشافعي – رحمه الله - :
"والحاصل : أن الانحناء لمخلوق كما يفعل عند ملاقاة العظماء : حرام عند الإطلاق ،
أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله ، وكفرٌ إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى" .انتهى
من" تحفة الحبيب على شرح الخطيب " ( 5 / 110 ) .
3. وسئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم انحناء الرأس لمسلم عند التحية ؟ .
فأجابوا :
"لا يجوز لمسلم أن يحني رأسه للتحية ، سواء كان ذلك لمسلم أو كافر ؛ لأنه من فعل
الأعاجم لعظمائهم ، ولأنه شبيه بالركوع ، والركوع تحية وإعظاما لا يكون إلا لله ".
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود . انتهى من" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 116 ) .
4. وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
بعض الناس عندما يقابل أحداً أكبر منه منزلة أو رتبة فإنه يخضع له ويطأطئ رأسه يعني
: تكريماً , فما رأيكم ؟ .
فأجاب :
"رأينا في هذا أنه لا يجوز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من ذلك ,
فلا يحل لأحد أن يحني ظهره إلا لله رب العالمين , وأما المخلوق : فلا تحني ظهرك له
, وأقبح من ذلك : أن يسجد له ؛ فإن السجود للمخلوق تعظيماً وتذلُّلاً : من الشرك
المخرج عن الملة - نسأل الله العافية - ، وأما الانحناء : فإنه حرام , لكن لا يصل
إلى حد الشرك" .انتهى من" لقاء الباب المفتوح " ( 104 / السؤال رقم 4 ) .
5. وانظر فتوى مفصلة للشيخ عبد العزيز باز رحمه الله في المسألة في جواب السؤال رقم
( 133487 ) .
ومما سبق يتبين أن الفعل المنتشر في بلادكم ـ "
نيجيريا " ـ أو غيرها ، من الانحناء عند اللقاء لكبير في السنِّ أو القدْر : لا يحل
بحال .
وما أقبح أن يحني الرجل رأسه ، ويقع في معصية ربه ، لأجل امرأة يريد أن يتزوجها ،
أو حظ من الدنيا يريد أن يظفر به !!
والله أعلم
تعليق