الحمد لله.
أولاً:
يسرنا أنك توجهتِ بالسؤال لموقع إسلامي حتى تحصلي على جواب شرعي موثق ، ونحن دوماً ندعو غير المسلمين لمثل هذا وأن لا يسأل أحدُهم عن شيء من أحكام الإسلام غيرَ المسلمين ، أو غير المختصين بالعلوم الشرعية من المسلمين .
ثانياً:
في شرعنا المطهَّر ليس هناك ما يمنع المسلمة من أن تكون لها علاقة بغير المسلمات ،
خاصة إذا كانت من أهل الكتاب ، اليهود والنصارى ، فالأمر معهن أوسع من غيرهن .
وإنما العبرة في شرعنا في هذا الباب : الفائدة والمصلحة من الزيارة ، أو المضرة
والمفسدة في الدين ؛ بل قد توجد أسباب للزيارة بين المسلمة وغيرها من غير المسلمات
توصي بها الشريعة الإسلامية استحباباً ، ومن ذلك :
1. أن تكون المرأة غير المسلمة أمّاً للمسلمة أو قريبة لها ، وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق أن تصل أمَّها المشركة .
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ
أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي ،
وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ ) .
رواه البخاري ( 2620 ) ومسلم ( 1003 ) .
ومعنى راغبة : أي : تطلب بر ابنتها لها .
وفي الحديث جواز زيارة أسماء رضي الله عنها لأمها المشركة ، وجواز دخول الأم بيت
ابنتها المسلمة .
2. أن تكون المرأة غير المسلمة جارة للمسلمة .
قال الله تعالى ( وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ
مُخْتَالاً فَخُوراً ) النساء/ 36 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ) أي : الجار القريب الذي له حق الجوار وحق القرابة .
( وَالْجَارِ الْجُنُبِ ) الذي ليس بقريب ، فعلى العبد القيام بحق جاره مطلقا ،
مسلماً كان أو كافراً ، قريباً أو بعيداً ، بكف أذاه عنه ، وتحمل أذاه ، وبذل ما
يهون عليه ويستطيعه من الإحسان ، وتمكينه من الانتفاع بجداره ، أو طريق ماء على وجه
لا يضر الجار ، وتقديم الإحسان إليه على الإحسان على من ليس بجار ، وكلما كان الجار
أقرب باباً كان آكد لحقه ، فينبغي للجار أن يتعاهد جاره : بالصدقة والهدية والدعوة
واللطافة بالأقوال والأفعال ؛ تقربا إلى الله وإحسانا إلى أخيه صاحب الحق .
" تيسير اللطيف المنَّان في خلاصة تفسير الأحكام " ( ص 57 ) .
عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي
أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟
أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى
ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ) .
رواه الترمذي ( 1943 ) وحسَّنه وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وكما أوصت الشريعة ببعث الهدايا للجيران ولو كانوا يهوداً ، فقد أباحت الشريعة قبول
هدايا غير المسلمين وقبول دعوتهم للطعام في بيوتهم ، وقد ثبت في صحيح السنَّة قبول
النبي صلى الله عليه وسلم لدعوة يهودي في بيته على طعام ، كما رواه أحمد في مسنده (
20 / 424 ) بسند صحيح .
3. أن تكون المرأة غير المسلمة مريضة فتعودها المسلمة في بيتها أو في المستشفى .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ
لَهُ ( أَسْلِمْ ) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ : أَطِعْ
أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : ( الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ ) .
رواه البخاري ( 1290 ) .
وكما كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه فقد كان لعائشة رضي الله عنها
امرأة يهودية تخدمها ، كما رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 41 / 66 ) بإسناد صحيح
.
وكل ما سبق فيه دخول اليهودي واليهودية بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، اليهودي
لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، واليهودية لخدمة عائشة رضي الله عنها ، ثم فيه
دخول النبي صلى الله عليه وسلم لبيت اليهودي لعيادة ابنه .
4. أن تكون هناك خصومة بين غير المسلمة وامرأة أخرى فتزورها المسلمة للإصلاح .
قال الله تعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ
بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء/ 114 .
فقوله تعالى ( إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) عام يشمل كل متخاصِمين من أي دين كانوا ،
وسواء زارت المرأة المسلمة أولئك المتخاصمات هي ، أو هنَّ زرنها في بيتها ، فلا فرق
.
وهناك أسباب غير ما ذكرنا ، وكلها تدعو المسلمة لأن
تزور امرأةً غير مسلمة وعكسه ، ومن أعظم الأسباب التي تدعو المرأة المسلمة لمثل تلك
الزيارة – زائرة ومزورة - الدعوة إلى الله ؛ أداءً لواجب النصح الذي أوجبه الله
تعالى على المسلمين تجاه الناس لدعوتهم إلى الدين الخاتم الذي ختم الله تعالى به
الرسالات ، وأرسل به النبيَّ صلى الله عليه وسلم للناس كافَّة .
ثالثاً:
مع ما سبق ذِكره من بيان أن الإسلام لا يمانع أن تزور المرأةُ المسلمة امرأة غير
مسلمة في بيتها فإننا ننبه إلى أن ذلك لا بدَّ أن يكون وفق ضوابط شرعية ، منها :
1. أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها ، وقد ذكرنا الأدلة وأقوال العلماء
في ذلك في جواب السؤال رقم ( 83360
) .
وإذا كانت المرأة المسلمة مزورة فإن الأصل أن تستقبل من شاءت في بيتها ، إلا أن
يمنعها زوجها من ذلك ، فتمتنع الزوجة عن استقبال من يكره زوجها دخولها بيته ؛ لقول
النبي صلى الله عليه وسلم ( فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ أَلاَّ يُوطِئْنَ
فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ
أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ
وَطَعَامِهِنَّ ) رواه الترمذي ( 1163 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1851 ) .
2. أن تكون الزيارة للقاء بنات جنسها من النساء ، فلا يجوز أن يكون هناك رجال أجانب
في مجلس الزيارة ، فلا تزور المسلمة جاراً ، ولا تعود مريضاً من الرجال ، لا من
المسلمين ولا من غير المسلمين .
3. أن تخلو زيارة المرأة المسلمة للنساء غير المسلمات من محرمات تشاهَد أو تُسمع ،
فلا يكون في مجلس الزيارة موسيقى ولا أفلام فيها ما يحرم مشاهدته ، كما يجب أن يخلو
المجلس من الغيبة والطعن والقذف وغير ذلك من المحرمات .
4. أن لا تكون الزيارة لغير المسلمة – ولا الاستقبال لها - إن كانت محاربة للمسلمين
أو مشاركة في احتلال أرضهم أو إخراجهم من ديارهم ، فما ذكرناه سابقاً لا ينطبق على
اليهودية التي جاءت من أوربا أو أفريقيا لتسكن في بقعة أرض احتلها جنود الصهاينة ،
وأولى بالمنع أن تكون اليهودية هي نفسها من المشاركات في الحرب والاحتلال ، فالصنف
الأول من غير المسلمين ، وهو من لا يحاربنا ، ولا يشارك في حربنا ، هو الذي يحق لنا
أن نعامله بالبر والقسط ، دون الصنف الآخر الذي احتل بلادنا ، أو أخرجنا من ديارنا
، أو شارك في ذلك بنفسه ، أو بماله ، أو برأيه . قال الله تعالى – في الصنف الأول -
: ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة/ 8 ، وقال الله تعالى – في الصنف
الآخر – ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن
تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الممتحنة/ 9
.
رابعاً:
هذا بخصوص الزيارات واللقاءات بين المسلمة وغير المسلمة ، وأما الصداقة : فلها شأن
عظيم في الدين والواقع ، ومن شأن الصداقة أن يكتسب الصديق من صديقه أخلاقه وتصرفاته
، والأخطر من ذلك أن ينتقل له أسوأ ما عنده ، ولذلك ليس في الشريعة ترغيب بصداقة كل
أحد حتى من المسلمين ، ولا ينبغي للمسلمة أن تتخذ صديقة لها من النساء إلا أن تكون
على عقيدة التوحيد ، وعلى أخلاق الإسلام ، فهذان شرطا الصداقة ، ولا يعني هذا
مقاطعة من تخلف عندها الشرطان أو أحدهما ، فقد ذكرنا جواز الزيارة والعيادة بين
المسلمة وغيرها من غير المسلمات ، ولكن الصداقة معنى خاص ، ولها شأن عظيم ولذا مُنع
المسلم من مصادقة من قد يضره في دينه أو سلوكه ، وقد بينا هذا في جواب السؤال رقم (
23325 ) .
وتجدين في جواب السؤال رقم ( 84308
) هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة اليهود ، بما تستفيدين منه غاية
الاستفادة إن شاء الله .
كما نرجو النظر في جواب السؤال رقم (
128862 ) ففيه مسائل مهمَّة تبيِّن نظرة الإسلام لغير المسلمين كيف هي .
ونرجو أخيراً أن نكون قد أوفينا سؤالك حقَّه من
الإجابة ، ولتعلمي أننا لم نجاملكِ على حساب ديننا ، بل ذكرنا لك أحكام الشرع
بأدلتها ، داعين الله تعالى أن يشرح صدركِ للحق والالتزام به ، وأن يختارك الله
لتكوني على دين موسى عليه السلام الحق ، وهو دين أخيه محمد صلى الله عليه وسلم ،
فكلاهما دينه الإسلام ، وكلاهما على عقيدة واحدة وإن اختلفت شرائعهم ، وتجدين في
موقعنا هذا مزيداً من الفوائد والمسائل ، وخاصة في قسم " تعرَّف على الإسلام ".
والله أعلم
تعليق