الحمد لله.
أولاً :
إذا كانت المرأة مصرة على الفجور لم تتب منه ولم تقلع عنه ، ولو لم يصل الأمر بها إلى الزنا ، بأن كانت على علاقة مع هذا النصراني أو غيره ، فإنه لا يجوز للزوج إبقاؤها ، لأن ذلك من الدياثة ، والدياثة من كبائر الذنوب ، لما روى النسائي (2562) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ ) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
والديوث : هو الذي يقر الخَبث في أهله .
سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ طَلَعَ إلَى بَيْتِهِ ، وَوَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَوَفَّاهَا حَقَّهَا وَطَلَّقَهَا ؛ ثُمَّ رَجَعَ وَصَالَحَهَا وَسَمِعَ أَنَّهَا وُجِدَتْ بِجَنْبِ أَجْنَبِيٍّ ؟
فَأَجَابَ : " فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ قَالَ : ( وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يَدْخُلُك بَخِيلٌ وَلَا كَذَّابٌ وَلَا دَيُّوثٌ ) والدَّيُّوثُ : الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَإِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ) . وَقَدّ قَالَ تَعَالَى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا " . " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/ 141) .
ثانيا :
إذا تابت المرأة وأنابت ، وصلح حالها واستقامت ، وقطعت علاقتها بالرجال الأجانب مطلقا ، فللزوج أن يبقيها ، ولعل الله أن يأجره على إحسانه لها وستره عليها .
وإذا كنا قد بينا أنه لا يجوز له أن يبقي عليها زوجة له ، إذا كانت تزني ، ولم تتب منه توبة صادقة ، وذكرنا أنها إن تابت واستقامت ، فله أن يبقيها ويستر عليها ، إن صبر على ذلك ؛ فإن هذا الذي قلناه من جواز إبقائه عليها متى تابت : ليس واجبا عليه ، بل هو راجع إليه ؛ وله في جميع الأحوال أن يفارقها ؛ لأن الزنا من الزوجة أمر في غاية القبح ، وأكثر النفوس لا يسهل عليها التغاضي عن ذلك ، وإذا طلقها لم يكن مسئولا عما تقترفه من إثم ، وإن ارتدت عن الإسلام فردتها على نفسها ، لأنها مكلفة عاقلة إن أحسنت فلها إحسانها ، وإن أساءت فعليها .
ونسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل بلاء وشر وفتنة .
والله أعلم .
تعليق