الحمد لله.
أولا :
ذهب جمهور الفقهاء إلى اشتراط ما ذكرت من التساوي بين القاتل والمقتول ، ليتم القصاص ، فلا يقتل الحر بالعبد ، ولا يقتل السيد بعبده .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/ 221) : " فصل : ( ولا حر بعبد ) وروي هذا عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وزيد ، وابن الزبير ، رضي الله عنهم . وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعمر بن عبد العزيز ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، ومالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور .
ويروى عن سعيد بن المسيب ، والنخعي ، وقتادة ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، أنه يقتل به ; لعموم الآيات والأخبار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ) . ولأنه آدمي معصوم ، فأشبه الحر .
ولنا ، ما روى الإمام أحمد ، بإسناده عن علي ، رضي الله عنه أنه قال : ( من السنة أن لا يقتل حر بعبد ) . وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يقتل حر بعبد ) . رواه الدارقطني . ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة ، فلا يقتل به ، كالأب مع ابنه ، ولأن العبد منقوص بالرق ، فلم يقتل به الحر " انتهى .
ثانيا :
إذا قتل السيد عبده ، فإنه لا يقتل به عند جمهور الفقهاء ، لكن يضرب ويعزر ، وقيل : يجلد ، وينفى ، ويمحى اسمه من الديوان والعطاء .
وذهب الحنفية إلى أن أن الحر يقتل بالعبد - إلا عبد نفسه فلا يقتل به ، وكذا عبد ولده- . وينظر : الموسوعة الفقهية (23/ 71) .
واستدل الجمهور بالأدلة السابقة ، التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله ، وبحديث : (لا يقاد مملوك من مالك) أخرجه الحاكم ( 4 / 368 ) من حديث عمر بن الخطاب وضعفه الذهبي .
كما استدلوا مفهوم قوله تعالى : ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) ، ولأن العبد منقوص بالرق فلا يكافئ الحر .
ثالثا :
يقتل الذكر بالأنثى ، في قول جمهور أهل العلم ، منهم الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/ 235) : " ( ويقتل الذكر بالأنثى ، والأنثى بالذكر ) هذا قول عامة أهل العلم ; منهم النخعي ، والشعبي ، والزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ، وأهل المدينة ، والشافعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وغيرهم .
واستدلوا بقوله تعالى : (النفس بالنفس) . وقوله : (الحر بالحر) . مع عموم سائر النصوص ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يهوديا رض رأس جارية من الأنصار . وروى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والأسنان ، وأن الرجل يقتل بالمرأة . وهو كتاب مشهور عند أهل العلم ، متلقى بالقبول عندهم ، ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهم بقذف صاحبه ، فقتل كل واحد منهما بالآخر ، كالرجلين " انتهى .
رابعا :
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه لا قصاص على والد يقتل ولده ، وكذا الأم والأجداد والجدات سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم ، قربوا أم بعدوا .
وذهب المالكية إلى أنه إن قصد قتل الابن وإزهاق روحه بأن أضجعه فذبحه فإنه يقتص منه .
"الموسوعة الفقهية" (15/ 122) .
واستدل الجمهور بما روى الترمذي (1400) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) رواه ابن ماجه (2291) وابن حبان في صحيحه (2 / 142) من حديث جابر ، وأحمد (6902) من حديث عبد الله بن عمرو ، والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقالوا : وإذا لم تثبت حقيقة الملك ، فإن هذه الإضافة تكون شبهة في درء القصاص . ولأن الأب كان سببا في إيجاد الابن ، فلا يكون الابن سببا في إعدامه .
وهذه الأدلة تخصص العمومات التي استدل بها المالكية .
وعليه ؛ فلو قتل الأب ابنه أو بنته ، لم يقتص منه ، لكنه يعزر بالجلد وغيره ، ويلزم بدفع الدية.
ولا يخفى أن عدم القصاص ، لا يعني عدم التحريم ، فقتل النفس كبيرة من أعظم الكبائر .
والله أعلم .
تعليق