الحمد لله.
إذا خالع الرجل امرأته بدون أن يأخذ منها شيئاً ، فالخلع لا يصح عند كثير من أهل العلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " اختلف العلماء في صحة الخلع بغير عوض ؟ على قولين : هما روايتان عن أحمد " أحدهما " كقول أبي حنيفة والشافعي وهي اختيار أكثر أصحابه – أي : لا يصح - ، " والثانية " يصح كالمشهور في مذهب مالك وهي اختيار الخرقي " انتهى من "مجموع فتاوى" (32/ 303) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " أما الخلع ، فكما قالوا : لا بد أن يكون بعوض ؛ لأنه ركنه الذي ينبني عليه ، وإذا خلا منه ، فليس بخلع ، بل يكون طلاقاً رجعيًّا إذا نوى به الطلاق " انتهى من "الفتاوى السعدية" (362) .
وذهب بعض العلماء : إلى أن الخلع يصح ولو كان بغير عوض
، وهي رواية عن الإمام أحمد ، واختارها شيخ الإسلام رحمه الله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ويصح الخلع بغير عوض ، وتقع به البينونة إما طلاقًا
، وإما فسخًا على إحدى القولين ، وهذا مذهب مالك المشهور عنه في رواية ابن القاسم ،
وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، اختارها الخرقي .
وهذا القول له مأخذان :
أحدهما : أن الرجعة حق للزوجين ، فإذا تراضيا على إسقاطها سقطت .
والثاني : أن ذلك فرقة بعوض ؛ لأنها رضيت بترك النفقة والسكن ورضي هو بترك
استرجاعها . وكما أن له أن يجعل العوض إسقاط ما كان ثابتًا لها من الحقوق كالدين ،
فله أن يجعله إسقاط ما ثبت لها بالطلاق ، كما لو خالفها على نفقة الولد . وهذا قول
قوي وهو داخل في النفقة من غيره " انتهى من "المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام"
(4/223) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " قوله : (وإن
خالعها بغير عوض أو بمحرم لم يصح ) لقوله تعالى : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) البقرة : 229 ، فإذا خالعها على غير عوض فأين الفداء ؟! لا
فداء ، وهذا هو المذهب .
وقال شيخ الإسلام : يصح أن يخالعها على غير عوض ، وعلل ذلك بأمرين :
أحدهما : أن العوض حق للزوج ، فإذا أسقطه باختياره فلا حرج ، كغيره من الحقوق ،
فكما أنها لو خالعته على ألف ريال وتم الخلع ثم أبرأها منه ، فلا حرج ، فكذلك إذا
اتفقا من أول الأمر على أنه لا عوض .
الثاني : أنه إذا خالعها فإنه يخالعها على عوض ؛ لأنها تسقط حقها من الإنفاق ؛ لأنه
لو كان الطلاق رجعياً لكانت النفقة مدة العدة على الزوج ، فإذا خالعته فلا نفقة
عليه ، فكأنها بذلت له عوضاً ، فهي قد أسقطت الحق الذي لها من النفقة على الزوج ،
وهو قد أسقط الحق الذي له من الرجعة ، فالرجعة حق للزوج ، والنفقة مدة العدة حق
للزوجة ، فإذا رضيا بإسقاطهما في الخلع فلا مانع .
ويجيب عن الاستدلال بالآية بأن الغالب أن الزوج لا يفارق زوجته إلا بعوض ، ولهذا
قال الله عزّ وجل : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ، وما قاله
الشيخ رحمه الله جيد ؛ لأنه في الحقيقة خلع على عوض ، وهو إسقاط النفقة عنه " انتهى
من "الشرح الممتع" (12/476) .
فالحاصل : أن الخلع بدون عوض مختلف في صحته ، والأحوط للمرأة في هذه الحال أن تفتدي من زوجها بمقابل ؛ خروجاً من الخلاف ، ولتخرج من عصمة النكاح بيقين .
ولا يشترط في العوض أن يكون هو المهر الذي دفعه الزوج ، فلو دفعت المرأة لزوجها شيئاً يسيرا من المال مقابل أن يفارقها ، أو تنازلت عن مؤخر صداقها ، صح الخلع .
أما الإشهاد على الخلع ، فليس واجباً ، فلو خالع الرجل
امرأته بدون حضور أحد ، فالخلع صحيح ، وينظر : المجموع (9/195) ، والإنصاف (9/112)
.
والله أعلم
تعليق