الحمد لله.
ما تفرزه بعض الأشجار من مادة الصمغ، الأصل فيه الحل؛ لدخوله في قال تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا...) سورة البقرة/29
وقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا...) سورة البقرة/ 168
وقوله تعالى: ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...) سورة الأعراف/ 32
هذا ما لم يثبت ضرره ، وإلا فلا يجوز تناوله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " اعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة، على اختلاف أصنافها، وتباين أوصافها، أن تكون حلالاً مطلقاً للآدميين، وأن تكون طاهرة، لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها ومماستها، وهذه كلمة جامعة، ومقالة عامة، وقضية فاضلة، عظيمة المنفعة، واسعة البركة، يفزع إليها حملة الشريعة فيما لا يحصى من الأعمال، وحوادث الناس.
وقد دل عليها أدلة عشرة -
مما حضرني ذكره من الشريعة - وهي :
كتاب الله وسنة رسوله واتباع سبيل المؤمنين المنظومة في قوله تعالى: ( أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وقوله : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا
). ثم مسالك القياس والاعتبار ومناهج الرأي والاستبصار.
الصنف الأول : وهو عدة آيات . الآية الأولى قوله تعالى ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) والخطاب لجميع الناس لافتتاح الكلام بقوله : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم ) ووجه الدلالة أنه أخبر أنه خلق جميع ما في الأرض للناس مضافا إليهم باللام واللام حرف الإضافة وهي توجب اختصاص المضاف بالمضاف إليه واستحقاقه إياه من الوجه الذي يصلح له وهذا المعنى يعم موارد استعمالها . كقولهم : المال لزيد والسرج للدابة وما أشبه ذلك فيجب إذا أن يكون الناس مملكين ممكنين لجميع ما في الأرض فضلا من الله ونعمة وخص من ذلك بعض الأشياء وهي الخبائث ؛ لما فيها من الإفساد لهم في معاشهم أو معادهم فيبقى الباقي مباحا بموجب الآية...
الصنف الثاني : السنة والذي
حضرني منها حديثان:
الحديث الأول : في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ( إن أعظم المسلمين جرماً من يسأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته ). دل
ذلك على أن الأشياء لا تحرم إلا بتحريم خاص لقوله لم يحرم ودل أن التحريم قد يكون
لأجل المسألة فبين بذلك أنها بدون ذلك ليست محرمة وهو المقصود .
الثاني : روى أبو داود في سننه عن سلمان الفارسي قال: ( سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن شيء من السمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه
والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ). فمنه دليلان :
أحدهما: أنه أفتى بالإطلاق فيه .
الثاني قوله : ( وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ) نص في أن ما سكت عنه فلا إثم عليه
فيه وتسميته هذا عفواً كأنه والله أعلم؛ لأن التحليل هو الإذن في التناول بخطاب خاص
والتحريم المنع من التناول كذلك والسكوت عنه لم يؤذن بخطاب يخصه ولم يمنع منه فيرجع
إلى الأصل وهو أن لا عقاب إلا بعد الإرسال وإذا لم يكن فيه عقاب لم يكن محرما . وفي
السنة دلائل كثيرة على هذا الأصل ...ثم ذكر رحمه الله الأصناف الأخرى " ينظر "مجموع
الفتاوى" (21/535) وما بعدها
ومما تقدم يُعلم أنّ الأصل
في الأشياء الحل والجواز، وليس لأحد أن يحرم ما أباحه الله أو سكت عنه إلا بدليل من
الشرع، وإلا كان متقولاً على الله بلا علم، قال الله تعالى ممتناً على عباده مما
أخرجه لهم من الأرض: ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَعْلَمُونَ * قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا
لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ ) سورة الأعراف/32،33
والله أعلم
تعليق