الحمد لله.
أولا :
سبق في موقعنا اختيار القول بدخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آل بيته عليه الصلاة والسلام ، وذلك في أصح قولي العلماء في المسألة ، فهي خلافية مشهورة ، ولا يجوز إنكار قيام الخلاف بين أهل العلم فيها ، ولكننا رجحنا أن سياق الآيات الكريمات في سورة الأحزاب يدل على دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في اسم " أهل البيت " الوارد في القرآن الكريم ، ومن أراد أن يستبين ذلك فليقرأ قوله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) الأحزاب/32-34.
فالآيات في بدايتها وفي آخرها يخاطب فيها الرب جل وعلا نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف يقال إن المخاطب في قوله عز وجل : ( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) غيرهن ؟! بل كان عكرمة رحمه الله ينادي في السوق : نزلت في نساء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خاصة . رواه الطبري في " جامع البيان " (20/267) .
يقول البيهقي رحمه الله : " باب الدليل على أن أزواجه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته في الصلاة عليهن ؛ وذلك لأن الله تعالى خاطبهن بقوله تعالى : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول ) [الأحزاب: 32] ثم ساق الكلام إلى أن قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب/ 33 ، وإنما قال : ( عنكم ) بلفظ الذكور ؛ لأنه أراد دخول غيرهن معهن في ذلك ، ثم أضاف البيوت إليهن فقال : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) الأحزاب/ 34 " انتهى من " السنن الكبرى " (2/214)
ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله : " الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )، فإن سياق الكلام معهن ؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة ) أي : اعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة . قاله قتادة وغير واحد ، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس ، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (6/415) .
ينظر في موقعنا الفتوى رقم : ( 10055) .
ثانيا :
أما حديث أم سلمة رضي الله عنها الوارد في السؤال فقد استدل به الفريق الآخر من العلماء الذين قالوا بعدم دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الآية الكريمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )، قالوا فهو حديث صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يدخل أم سلمة في كساء آل بيته ، وبشرها بأنها على خير ، ولكن ليست من آل بيته الذين هم ذريته ، قالوا ولا مانع من القول إن سياق الآيات ينقطع في هذه الجملة ، فتبدأ الآيات بمخاطبة نساء النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم تعترض هذه الجملة في تزكية آل البيت ، ثم ترجع وتخاطب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى .
يقول الطحاوي رحمه الله :
" فإن قال قائل : فإن كتاب الله يدل على أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هم المقصودون بتلك الآية ؛ لأنه قال قبلها في السورة التي هي فيها : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن ) الأحزاب/ 28 إلى قوله : ( يا نساء النبي لستن ) الأحزاب/ 32 إلى قوله: ( الجاهلية الأولى ) الأحزاب/ 33 ، فكان ذلك كله يردن به ؛ لأنه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال , ثم قال: ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ) الأحزاب/ 33 ، الآية.
فكان جوابنا له : أن الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : ( إنما يريد الله ) الآية خطاب لأزواجه , ثم أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى: ( إنما يريد الله ليذهب ) [الأحزاب: 33] الآية فجاء على خطاب الرجال ؛ لأنه قال فيه : ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم ) [الأحزاب: 33] وهكذا خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون ، وكذلك خطاب النساء ، فعقلنا أن قوله : ( إنما يريد الله ليذهب ) [الأحزاب: 33] الآية خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعته لمقدارهم أن جعل نساءهم من قد وصفه مما في الآيات المتلوات قبل الذي خاطبهم به تعالى " انتهى من " شرح مشكل الآثار " (2/245) .
ونحن نجيب عن ذلك بأنه انقطاع متكلف لا دليل عليه ، يخالف ظاهر الآيات الكريمات ، وأن الخطاب بالكاف ( يذهب عنكم الرجس ) جاء ليشمل جماعة الرجال والنساء الداخلين في آل بيته عليه الصلاة والسلام ، وليس لتخصيص الرجال ، وهذا معلوم في اللغة العربية .
يقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" فإن قيل: إن الضمير في قوله : ( ليذهب عنكم الرجس )، وفي قوله : ( ويطهركم تطهيرا )، ضمير الذكور ، فلو كان المراد نساء النبي صلى الله عليه وسلم لقيل : ( ليذهب عنكن ويطهركن ) .
فالجواب من وجهين:
الأول : الآية الكريمة شاملة لهن ولعلي والحسن والحسين وفاطمة ، وقد أجمع أهل اللسان العربي على تغليب الذكور على الإناث في الجموع ونحوها .
الوجه الثاني: هو أن من أساليب اللغة العربية التي نزل بها القرآن أن زوجة الرجل يطلق عليها اسم الأهل ، وباعتبار لفظ الأهل تخاطب مخاطبة الجمع المذكر ، ومنه قوله تعالى في موسى : ( فقال لأهله امكثوا )، وقوله : ( سآتيكم ) وقوله : ( لعلي آتيكم ) والمخاطب امرأته ; كما قاله غير واحد " انتهى من " أضواء البيان " (6/238)
وأما حديث أم سلمة فهو من أكثر الأحاديث اختلافا وتنوعا في الطرق والألفاظ ، يستحق أن تصنف فيه المصنفات الخاصة ، وقد ورد بألفاظ صحيحة صريحة تدل على دخول أم سلمة في آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، صحح إسنادها الإمام البيهقي رحمه الله وغيره ، وقال عن جميع الألفاظ التي تخالفها : " روي في معارضته أحاديث لا يثبت مثلها " انتهى من " السنن الكبرى " (2/214) ، وقال ابن كثير – بعد أن ساق الروايات المخالفة - : " الأحاديث المتقدمة إن صحت ، فإن في بعض أسانيدها نظرا " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (6/415) .
وسيأتي تفصيل هذه الألفاظ وطرقها بشكل موسع .
وبهذا يقف الناقد المنصف بين أحد خيارين :
إما أن يعمل على الترجيح والموازنة بين الأسانيد والألفاظ ، وبالاطلاع على التخريج الموسع يتبين أن الإسناد الأول هو أصح أسانيد حديث أم سلمة ، ولفظه : ( فقلت : يا رسول الله أنا من أهل البيت ، قال : إن شاء الله )
وإما أن يقال بأننا نأخذ القدر المشترك من هذه الروايات ، وهو أصل الحديث الثابت في " صحيح مسلم " (رقم/2424) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ قَالَ: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وليس فيه نفي دخول أم سلمة رضي الله عنها في هذا الكساء ولا فيه إثبات ذلك .
ولهذا قال ابن تيمية رحمه الله عن حديث أم سلمة : " هذا الحديث صحيح في الجملة " انتهى من " منهاج السنة " (1/374)، فلم يصحح لفظا معينا من ألفاظه ، وإنما أثبت أصل القصة ، وإثبات أصل القصة لا يدل على حصر " آل البيت " في هؤلاء الداخلين تحت الكساء ، بل يقال إنه عليه الصلاة والسلام أدخل بعضهم ، وهم ذريته وابن عمه ، للتأكيد على أنهم أول الداخلين في هذا الوصف ، وشمول آية التطهير لهم إلى جانب شمولها أزواجه عليه الصلاة والسلام ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " عم غيرَ أزواجه ، كعلي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، لأنه ذكره بصيغة التذكير لما اجتمع المذكر والمؤنث ، وهؤلاء خصوا بكونهم من أهل البيت من أزواجه ، فلهذا خصهم بالدعاء لما أدخلهم في الكساء ، كما أن مسجد قباء أسس على التقوى ، ومسجده صلى الله عليه وسلم أيضا أسس على التقوى ، وهو أكمل في ذلك ، فلما نزل قوله تعالى : ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) سورة التوبة / 108 بسبب مسجد قباء ، تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى .
وقد تنازع العلماء : هل أزواجه من آله ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد ، أصحهما أنهن من آله وأهل بيته ، كما دل على ذلك ما في الصحيحين من قوله : ( اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ) وهذا مبسوط في موضع آخر " انتهى من " منهاج السنة " (4/23-24)
أما أن يحتج باللفظ الضعيف الذي فيه نفي دخول أم سلمة رضي الله عنها وتترك الألفاظ الأخرى الواردة بأسانيد أقوى فليس من المنهجية العلمية في شيء .
رابعا :
ونحن هنا نخرج حديث أم سلمة تخريجا علميا موسعا فنقول : جاء هذا الحديث على أوجه عدة مختلفة :
الوجه الأول : روايات فيها تصريح النبي صلى الله عليه وسلم أن أم سلمة رضي الله عنها من آل البيت وتشملها الآية الكريمة .
وقد ورد ذلك من طرق عدة هي :
الطريق الأول :
عبد الرحمن بن عبد الله وإسماعيل بن جعفر في جزء حديثي له رقم/403 ، كلاهما عن شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة قالت : " في بيتي نزلت هذه الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) الأحزاب/ 33 ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فاطمة وحسن وحسين، فقال: اللهم أهلي ، فقلت : يا رسول الله أنا من أهل البيت ، قال : إن شاء الله ) .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (23/286)، وأبونعيم في " أخبار أصبهان " (2/223(، والبيهقي في " الاعتقاد " (ص/327)، وقال : " هذا حديث صحيحٌ سنده ، ثقاتٌ رواتُه ".
وهو كما قال ، فشريك بن عبدالله بن أبي نمر أكثر العلماء على توثيقه ، وله أخطاء في بعض مروياته ، يقول عنها ابن عدي إنها بسبب بعض الرواة الضعفاء عنه ، وقد قال عباس الدوري عن يحيى بن معين ، والنسائي : ليس به بأس ، وعن أبي داود : ثقة . وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال : ربما أخطأ " تهذيب التهذيب " (4/338)، وقد رواه الإمام الحاكم في " المستدرك " (3/158)، ولكنه اختصر الجملة الأخيرة محل الشاهد ، وقال : " هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه "، وقال الذهبي : " على شرط البخاري ". والراجح أن اختصار الحديث وقع من الإمام الحاكم لأنه رواه من طريق عثمان بن عمر عن عبدالرحمن ، وهي الطريق ذاتها التي روى بها الطبراني وأبونعيم والبيهقي .
الطريق الثاني :
عبدالحميد بن بهرام ، ثنا شهر بن حوشب ، قال : سمعت أم سلمة .
رواه أحمد في " المسند " (44/174-175)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/242) من طريق كل من هاشم بن القاسم، وعبدالرحمن بن زياد، وأسد بن موسى عن عبدالحميد بن بهرام به .
وعلة هذه الطريق شهر بن حوشب ، فقد ضعفه كثير من المحدثين ، وله أوهام كثيرة لا يطمئن الناقد لحديثه بسببها ، ومع ذلك فقد قال أحمد بن حنبل : " لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر " انتهى كما في " تهذيب التهذيب " (4/371) ، وكذا قال الدارقطني كما في " سؤالات البرقاني " (ص/36)، ولكن سيأتي أن الحديث روي من طريق ابن بهرام عن شهر بألفاظ أخر ، ويبدو أن سبب اختلاف الألفاظ اضطراب شهر بن حوشب في حفظه وأدائه .
الطريق الثالث :
عن القاسم بن مسلم الهاشمي ، عن أم حبيبة بنت كيسان ، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (23/357)، ولم أجد ترجمة لأم حبيبة بنت كيسان.
الطريق الرابع :
عوف ، عن عطية أبي المعذل ، عن أبيه ، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/54) .
وعلته : عطية أبوالمعذل ، قال فيه الساجي : ضعيف جدا ، ووهاه الأزدي ، كما في " لسان الميزان " (5/450)، وذكره البخاري في " التاريخ الكبير " (9/86)، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (6/384)، ومسلم في " الكنى والأسماء " (2/820)، ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا، وأبوه لم أجد له ترجمة .
الطريق الخامس :
عبدالجبار بن عباس الشِّبَامي ، عن عمار الدُّهني ، عن عمرة بنت أفعى ، قالت سمعت أم سلمة.
رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (2/742)
وعلته جهالة عمرة بنت أفعى ، لم أجد ترجمة لها سوى ذكرها مجردا في " المتفق والمفترق " للخطيب (3/1809)، والراوي عنها عمار بن معاوية الدهني صدوق يتشيع .
وقد رواه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/238) من هذه الطريق نفسها ولكن بلفظ : ( يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ قال : إنك من أزواج النبي عليه السلام ) .
الوجه الثاني :
فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة ( أنت من أهلي )، وظاهره يدل على دخولها في " آل بيته " عليه الصلاة والسلام ، ويحتمل أن المراد ( أنت زوجتي ) .
ورد ذلك من طريق موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثنا هاشم بن هاشم بن عتبة ، عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/53) (20/266)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/237) .
وهذا إسناد متصل رواته ثقات عدا موسى بن يعقوب وثقه ابن معين ، وابن عدي ، وقال فيه علي بن المديني : ضعيف الحديث ، منكر الحديث ، وقال الأثرم : سألت أحمد عنه ، فكأنه لم يعجبه .
الوجه الثالث :
يجيب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حين تسأله أنها من أهل البيت أم لا فيقول : ( أنت إلى خير ) أو ( على خير )، وهذا ظاهره نفي دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ، وفي بعض طرقه تصريح بعدم الدخول ، أو تصريح بجذب النبي صلى الله عليه وسلم الكساء كي لا تدخل فيه أم سلمة رضي الله عنها .
وقد ورد هذا الوجه بالطرق الآتية :
الطريق الأول :
عبدالملك بن أبي سليمان ، عن عطاء بن أبي رباح قال : حدثني من سمع أم سلمة تذكر .
رواه أحمد في " المسند " (44/118)، وفي " فضائل الصحابة " (رقم/994)، والطبراني في " المعجم الكبير " (3/ 54)، والآجري في " الشريعة " (5/2209) .
وعلته إبهام شيخ عطاء بن أبي رباح في هذا الحديث . وثمة كلام يسير في عبدالملك بن أبي سليمان ، انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (6/398) .
الطريق الثاني :
عبد الملك بن أبي سليمان ، حدثني بها أبو ليلى الكندي ، عن أم سلمة .
رواه أحمد في " المسند " (44/119) .
وأبو ليلى الكندي لم نقف فيه على توثيق أو تجريح ، واختلف فيه قول ابن معين ، فمرة يوثقه ، وأخرى يضعفه . انظر : " تهذيب التهذيب " (12/216) .
الطريق الثالث :
من طريق داود بن أبي عوف أبوالجحاف عند أحمد والطبراني ، وعلي بن زيد عند أحمد وأبي يعلى والطبراني والطحاوي والآجري .
وعبدالحميد بن بهرام عند الطبراني عن حجاج بن منهال وأبي الوليد الطيالسي عن ابن بهرام وزبيد عند أبي يعلى والترمذي والطبراني وابن أبي خيثمة .
حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عند ابن الأعرابي والدولابي ، والأجلح عند الطحاوي، وعقبة بن عبدالله الرفاعي عند أبي يعلى والطبراني .
وبلال بن مرداس عند الطبراني وابن عساكر ، وإسماعيل بن نشيط عند الطبراني وابن عساكر جميعهم عن شهر ابن حوشب ، عن أم سلمة : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّلَ عَلَى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ : ( اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي ، أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا )، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : ( إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ ).
رواه أحمد في " المسند " (44/118) (44/327)، وفي " فضائل الصحابة " (رقم/994)، والترمذي في " السنن " (رقم/3871) وقال : " هذا حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب "، وأبو يعلى في " المسند " (12/344) (12/451، 456)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/53) (23/333، 334،336، 396) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/239)، (2/241) ، والآجري في " الشريعة " (5/2208، 2209)، وابن الأعرابي في "المعجم" (3/964)، والدولابي في " الذرية الطاهرة " (ص/107) وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (2/719)، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (14/139، 142)
وهذا الطريق علته شهر بن حوشب كما سبق بيان ضعفه .
الطريق الرابع :
فضيل بن مرزوق وعمران بن مسلم عند الخطيب ، وعمرو بن عطية ، والحسن بن عطية عند ابن عساكر ، أربعتهم قالوا: ثنا عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أم سلمة .
رواه أبو يعلى في " المسند " (12/313) بلفظ: (لا وأنت على خير)، والطبراني في " المعجم الكبير " (3/52) (23/249)، والطبري في " جامع البيان " (20/265)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/241)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (6/ 3222)، وابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (2/719)، والخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (10/ 277)، وابن عساكر في "الأربعين" (ص/105) وقال: " هذا حديث صحيح... والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين "، وكذا في " تاريخ دمشق " (13/207) (14/146) .
والصواب أن أكثر النقاد يضعفون حديث عطية بن سعيد العوفي ، فقال أبو زرعة : لين ، وقال أبو حاتم : ضعيف ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال أبو داود : ليس بالذي يعتمد عليه ، وكان الثوري وهشيم يضعفان حديثه . انظر : " تهذيب التهذيب " (7/225) .
الطريق الخامس :
من طريق يحيى بن عبيد المكي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عمر بن أبي سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (9/25)، والترمذي في " السنن " (رقم/3205، ورقم3787)، وقال: " غريب من هذا الوجه "، والطبري في " جامع البيان " (20/266)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/243)، وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (4/319)
ويحيى بن عبيد - الراوي عن عطاء - قال عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله : " مجهول " كما في " تقريب التهذيب " (ص/594)، ولم نقف على من يحكم عليه بالتوثيق أو التضعيف .
الطريق السادس :
ابن لهيعة ، عن أبي صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن عمرة الهمدانية قالت : أتيت أم سلمة .
رواه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/244)، وقد رواه الآجري في " الشريعة " (4/2095) من طريق عبدالله بن وهب عن أبي صخر به ، ولكن بلفظ : ( فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ؟ قَالَ : أَنْتِ مِنْ صَالِحِي نِسَائِي ) .
قلنا : وعلة هذا الإسناد أبو معاوية البجلي "مجهول الحال"، ترجمته في " تهذيب التهذيب " (12/240) لم يذكره أحد بجرح ولا تعديل ، لذلك قال فيه الذهبي : " فيه جهالة " انتهى من " ميزان الاعتدال " (4/575) ، ولم نقف على ترجمة لعمرة الهمدانية ، كما لم نجد لها ذكرا في شيوخ أبي معاوية البجلي.
الطريق السابع :
رواه الطبري في " جامع البيان " (20/267) قال: حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن حكيم بن سعد ، قال : ذكرنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند أم سلمة قالت : " فيه نزلت : ( إِنَّمَا يَرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )...إلى آخر الحديث.
وعلة هذه الطريق عبد الله بن عبد القدوس الكوفي ، قال فيه النسائي وغيره : ليس بثقة ، وقال الدارقطني : ضعيف ، انظر : " ميزان الاعتدال " (2/457) .
الوجه الثالث :
لا يشتمل على نفي دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ولا على إثبات ذلك .
ورد ذلك من طرق عدة ، هي :
الطريق الأول :
جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن جعفر بن عبد الرحمن البجلي ، عن حكيم بن سعد ، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (23/327)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (2/236).
وعلة هذا الإسناد جهالة جعفر بن عبد الرحمن شيخ الأعمش ، ذكره البخاري في " التاريخ الكبير " (2/196)، وابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2/483)، ومسلم في " الكنى والأسماء " (1/515) من غير جرح ولا تعديل .
الطريق الثاني :
عبد الملك بن أبي سليمان ، عن أبي ليلى الكندي ، عن أم سلمة.
رواه الآجري في " الشريعة " (5/2207) .
وقد سبق الكلام عن التوقف في حال أبي ليلى الكندي .
الطريق الثالث :
عقبة بن عبد الله الرفاعي وحبيب بن أبي ثابت عند الطبراني ، وزبيد عند الطبري، ثلاثتهم عن شهر بن حوشب، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/53)، (23/337) ، والطبري في " جامع البيان " (20/263)
وعلة هذه الطريق شهر بن حوشب كما سبق ، ويضاف هنا الاختلاف عليه في لفظ الحديث .
الطريق الرابع :
مصعب بن المقدام ، قال : ثنا سعيد بن زربي ، عن محمد بن سيرين ، عن أَبي هريرة ، عن أم سلمة .
رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/265) .
وعلته: سعيد بن زربي ، اتفق النقاد على ضعفه الشديد ، بل قال ابن حبان : يروي الموضوعات. انظر : " تهذيب التهذيب " (4/28).
والله أعلم .
تعليق