الحمد لله.
لابد أن نفرق بين القلم الذي كتب مقادير كل شيء بأمر الله وبين القلم الذي يكتب به الناس .
فالقلم الذي كتب المقادير شأنه عظيم بلا شك ، وهو قلم حقيقي ، كالذي يفهم الناس من معاني القلم ، وله جرم أيضا ، لكن لا يقدر قدره ، ولا يعلم حقيقة أمره إلا الله ؛ فقد روى الترمذي (2155) عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ اكْتُبْ فَقَالَ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ اكْتُبْ الْقَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ )
صححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه
الله :
" لا يعلم كيفية اللوح والقلم إلا الله ، وهما مخلوقان من مخلوقات الله عز وجل ،
نؤمن بذلك " انتهى من "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 111) .
وقال الشيخ يوسف الغفيص :
" وأما تفاصيل ماهية اللوح والقلم فإن هذا لم تفصله النصوص " انتهى من "شرح العقيدة
الطحاوية" (ص 136) .
وهو من نور ؛ كما روى
الطبراني في "المعجم الكبير" (10605) عن ابن عباس قال : " لوددت أن عندي رجلا من
أهل القدر فوجأت رأسه " !! قالوا : ولم ذاك ؟ قال : " لأن الله خلق لَوحا محفوظا من
درة بيضاء ، دفتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكتابه نور " .
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7 /393): " رواه الطبراني من طريقين ، ورجال هذه
ثقات ".
وقد خلقه الله عز وجل بيده ؛
كما روى الحاكم في "المستدرك" (3244) والآجري في "الشريعة" (750) عن ابن عمر رضي
الله عنهما قال : " خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده : آدم عليه السلام ، والعرش ،
والقلم ، وجنات عدن ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان " وصححه الألباني في "مختصر
العلو" (75) .
أما القلم الذي نكتب به
فأمره معروف ، وحقيقة ماهيته لا تخفى على أحد ، ولا حرج من القول بأنه من اختراع
البشر وابتكاراتهم ، ولا يتعارض ذلك مع إيماننا بأن أول ما خلق الله تعالى هو القلم
؛ لأن هذا القلم الذي كتب الله به مقادير كل شيء غير تلك الأقلام التي يستعملها
الناس ويصنعونها على أشكال مختلفة وبصور متعددة ، وقلم القدر خلقه الله بيده ، أما
هذه الأقلام فمن صنع البشر .
مع أن هذه الأقلام التي يصنعها البشر ، بل كل ما يصنعونه ويعملونه : هو أيضا من خلق
الله تعالى ، ولا تعارض بين الأمرين ؛ فالله جل جلاله هو خالق العباد ، وخالق
أعمالهم ، وهو خالق ما في الكون كله ، والعبد صانع لما يصنعه ، ولا تعارض بين
الأمرين ؛ فإذا كان الله هو خالق العباد ، فهو خالق لما يعمله العباد .
والله تعالى أعلم .
تعليق