الحمد لله.
الدعاء من أجلّ العبادات وأفضل القربات ، به يكشف الله الضر ، ويجيب المضطر ، ويرفع البلاء ، ويقضي الحاجات ، ويعين على الطاعات .
روى أبو داود (1479) والترمذي (2969) – واللفظ له - عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) قَالَ : ( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ ) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
فعلى العبد أن يلجأ إلى ربه في كل ما يهمه من أمر الدنيا والآخرة ، ويدعوه في كل مقام بما يناسب حاجته ، وخير ما يحرص عليه العبد في ذلك الدعاء بجوامع الكلم مما ورد في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أما اختراع أدعية مخصوصة
لأحوال معينة ، والاعتقاد بأنها تحقق المراد ، وتعين على المطلوب ، وإرشاد الناس
إلى التزامها كما تلتزم الأوراد الشرعية : فهو من التشريع في دين الله بما لم يأذن
به الله ، وأقل ما فيه أنه يصرف عن الدعاء المشروع الثابت بالنصوص .
وقال القاضي عياض رحمه الله : " أذن الله في دعائه ، وعلَّم الدعاءَ في كتابه
لخليقته ، وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاءَ لأمَّته ، واجتمعت فيه ثلاثةُ
أشياء : العلمُ بالتوحيد ، والعلم باللغة ، والنصيحة للأمَّة ، فلا ينبغي لأحدٍ أن
يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم ، وقد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام ،
فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى
الله عليه وسلم " انتهى من "الفتوحات الربانية" – لابن علان (1/17)
وقال القرطبي رحمه الله :
" فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ،
ولا يقول أختار كذا ؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون "
انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (4 /231) .
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه
الله عمن يقول : أنا أعتقد أن من أحدث شيئا من الأذكار غير ما شرعه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصح عنه أنه قد أساء وأخطأ ؛ إذ لو ارتضى أن يكون رسول الله صلى
الله عليه وسلم نبيه وإمامه ودليله لاكتفى بما صح عنه من الأذكار . فعدوله إلى رأيه
واختراعه جهل وتزيين من الشيطان وخلاف للسنة ؛ إذ الرسول صلى الله عليه وسلم لم
يترك خيرا إلا دلنا عليه وشرعه لنا ، ولم يدخر الله عنه خيرا ؛ بدليل إعطائه خير
الدنيا والآخرة ؛ إذ هو أكرم الخلق على الله فهل الأمر كذلك أم لا ؟ .
فأجاب :
" الحمد لله ، لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على
التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما
يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد
والنتائج التي تحصل : [ أمر ] لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من
الأذكار قد يكون محرما ، وقد يكون مكروها ، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه
أكثر الناس ، وهي جملة يطول تفصيلها ، وليس لأحد أن يسن للناس نوعا من الأذكار
والأدعية غير المسنون ، ويجعلها عبادة راتبة يواظب الناس عليها كما يواظبون على
الصلوات الخمس ؛ بل هذا ابتداع دين لم يأذن الله به ، بخلاف ما يدعو به المرء
أحيانا من غير أن يجعله للناس سنة ، فهذا إذا لم يعلم أنه يتضمن معنى محرما لم يجز
الجزم بتحريمه ، لكن قد يكون فيه ذلك والإنسان لا يشعر به ... وأما اتخاذ ورد غير
شرعي واستنان ذكر غير شرعي : فهذا مما ينهى عنه ، ومع هذا ففي الأدعية الشرعية
والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى
غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " انتهى من "مجموع
الفتاوى" (22 /510-511)
والحاصل :
أنه لا يجوز تداول هذا الدعاء والتواصي به على أنه دعاء مشروع لهذا الغرض ، أو أنه
محصل لمطلوبه .
وإذا دعا به المرء في نفسه ، كما يدعو بغيره من الأدعية ، فلا حرج فيه ، ولا يظهر
فيه مخالفة شرعية ، وإن كان فيه نوع من التكلف ، والتطويل والتشقيق الذي لا يحتاج
له ، ولا هو مما يفضل في مقام الدعاء ، وإذا قارنا ما ذكرناه في هذا الدعاء ، بدعاء
شرعي مبارك لهذا المقام ، تبين لنا بركة ما في الحرص على الأدعية الشرعية المأثورة
؛ قال الله تعالى في دعاء زكريا عليه السلام : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ
ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ) !!
والمشروع أن يدعو الراغب في الولد بما يناسب رغبته ، وبما يتفق له من كلمات الدعاء ، دون أن يخترع دعاء معينا يواظب عليه أو يدعو إليه ، أو يتابع أحدا عليه .
تعليق