الحمد لله.
روى أبو داود (3191) وابن ماجة (1517) وأحمد (9437) والطيالسي في "مسنده" (2429) وعبد الرزاق في "المصنف" (6579) من طرق عن ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَه ) .
ولفظ أبي داود : ( مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) .
والمحفوظ اللفظ الأول ؛ ويدل عليه رواية الطيالسي وفيها : قَالَ صَالِحٌ: " وَأَدْرَكْتُ رِجَالًا مِمَّنْ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ إِذَا جَاءُوا فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يُصَلُّوا فِي الْمَسْجِدِ رَجَعُوا فَلَمْ يُصَلُّوا " .
راجع : "السلسلة الصحيحة" (5/ 462-463) .
وهذا الحديث اختلف فيه أهل
العلم ، وعامتهم على تضعيفه وعدم ثبوته ومخالفته لما هو أصح منه ، وحجة من صححه أنه
من رواية ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة ، وصالح كان قد خرف واختلط ، وسماع من
أخذ عنه قبل الاختلاط صحيح ، وكان ابن أبي ذئب ممن سمع منه قبل الاختلاط ، قال ابن
معين : ثقة حجة ، فقيل له : إن مالكا ترك السماع منه ، فقال : إن مالكا إنما أدركه
بعد أن كبر وخرف ، والثوري إنما أدركه بعدما خرف وسمع منه أحاديث منكرات ، ولكن ابن
أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف ، وقال الجوزجاني : تغير أخيرا فحديث ابن أبي ذئب عنه
مقبول لسنه وسماعه القديم ، وقال ابن عدي : لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن
أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد ، ومن سمع منه بآخره وهو مختلط - يعني فهو ضعيف.
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال ابن القيم رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ ،
وَسَمَاعُهُ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُهُ
مُوجِبًا لِرَدِّ مَا حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ " انتهى من "زاد المعاد"
(1/ 482).
وحجة من ضعفه أن ابن أبي ذئب وإن كان من قدماء أصحابه ، إلا أنه روى عنه أيضا
منكرات . قال الإمام أحمد : سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه منكرا .
"تهذيب التهذيب" (4/ 406)
وقال البخاري :
سَمَاعُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ أَخِيرًا ، يُرْوَى عَنْهُ مَنَاكِيرُ.
"معرفة السنن والآثار" للبيهقي (5/ 320) .
وقال ابن حبان :
" روى عَنْهُ ابن أَبِي ذِئْب وَالنَّاس ، تغير فِي سنة خمس وَعشْرين وَمِائَة ،
وَجعل يَأْتِي بالأشياء ألتي تشبه الموضوعات عَن الْأَئِمَّة الثِّقَات ، فاختلط
حَدِيثه الْأَخير بحَديثه الْقَدِيم وَلَمْ يتَمَيَّز ، فَاسْتحقَّ التّرْك ...
وقال ابن معين : صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ قَدْ كَانَ خَرِفَ قَبْلَ أَنْ
يَمُوتَ فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ فَهُوَ ثَبْتٌ ، قَالَ ابن
حبان : هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو زَكَرِيَّا رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِ هُوَ
كَذَلِكَ لَو تميز حَدِيثه الْقَدِيم من حَدِيثه الْأَخير ، فَأَما عِنْدَ عدم
التَّمْيِيز لِذَلِكَ ، واختلاط الْبَعْض بِالْبَعْضِ ، يرْتَفع بِهِ عَدَالَة
الإِنْسَان حَتَّى يصير غَيْر مُحْتَج بِهِ وَلَا مُعْتَبر بِمَا يرويهِ " .
"المجروحين" (1/ 366) .
وقد روى مسلم (973) أَنَّ
عَائِشَةَ رضي الله عنها : "أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ
عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ ! مَا صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ
إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَاز
الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت فِي الْمَسْجِد , وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَد
وَإِسْحَاق , وَقَالَ اِبْن أَبِي ذِئْب وَأَبُو حَنِيفَة وَمَالِك عَلَى
الْمَشْهُور عَنْهُ : لَا تَصِحّ الصَّلَاة عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد بِحَدِيثِ فِي
سُنَن أَبِي دَاوُدَ ( مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ
) وَدَلِيل الشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور حَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَأَجَابُوا
عَنْ حَدِيث سُنَن أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ :
أَحَدهَا : أَنَّهُ ضَعِيف لَا يَصِحّ الِاحْتِجَاج بِهِ , قَالَ أَحْمَد بْن
حَنْبَل : هَذَا حَدِيث ضَعِيف تَفَرَّدَ بِهِ صَالِح مَوْلَى التَّوْأَمَة ,
وَهُوَ ضَعِيف .
وَالثَّانِي : أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخ الْمَشْهُورَة الْمُحَقَّقَة
الْمَسْمُوعَة مِنْ سُنَن أَبِي دَاوُدَ " وَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَة فِي
الْمَسْجِد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " وَلَا حُجَّة لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ .
الثَّالِث : أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيث وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ : " فَلَا شَيْء
له" لَوَجَبَ تَأْوِيله عَلَى " فَلَا شَيْء عَلَيْهِ " لِيَجْمَع بَيْن
الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْن هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث سُهَيْل بْن بَيْضَاء , وَقَدْ
جَاءَ ( لَهُ ) بِمَعْنَى ( عَلَيْهِ ) , كَقَوْلِهِ تَعَالَى : وَإِنْ أَسَأْتُمْ
فَلَهَا .
الرَّابِع : أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى نَقْص الْأَجْر فِي حَقّ مَنْ صَلَّى فِي
الْمَسْجِد وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعهَا إِلَى الْمَقْبَرَة لِمَا فَاتَهُ مِنْ
تَشْيِيعه إِلَى الْمَقْبَرَة وَحُضُور دَفْنه . وَاللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى من
"شرح مسلم "(7/40) .
وقال الخطابي رحمه الله معالم السنن (1/ 312) :
" صالح مولى التوأمة ضعفوه وكان قد نسي حديثه في آخر عمره ، وقد ثبت أن أبا بكر
وعمر رضي الله عنهما صُلي عليهما في المسجد ، ومعلوم أن عامة المهاجرين والأنصار
شهدوا الصلاة عليهما ، ففي تركهم إنكاره دليل على جوازه " انتهى .
وكان ممن ضعفه من العلماء :
الإمام أحمد – كما في مسائل ابنه عبد الله (ص 142) - وابن المنذر في "الأوسط" (5/
416) ، والخطابي في " معالم السنن" (1/ 312) والبيهقي كما في "سننه" (4/86) وابن
حزم في "المحلى" (3/ 391) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 414) ، وإسماعيل
بن إسحاق – كما في "شرح صحيح البخارى" لابن بطال (3/ 311) - ،
، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 366): " هَذَا خَبَرٌ بَاطِلٌ " .
وممن حسنه : ابن القيم في
"زاد المعاد" (1/ 482) وصححه الألباني في "الصحيحة" (2351) ثم تراجع عن تصحيحه
وضعفه في "الثمر المستطاب" (ص: 768) حيث قال بعد أن حكى كلام ابن القيم المتقدم في
الاحتجاج برواية ابن أبي ذئب خاصة عن صالح :
" وهذا هو الحق لو أن ابن أبي ذئب لم يسمع منه بعد ذلك ؛ وليس كذلك ؛ فقد قال
الترمذي عن البخاري عن أحمد بن حنبل قال: سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرا ، وروى عنه
منكرا ، حكاه ابن القطان عن الترمذي هكذا .
قلت: وفي هذا بيان لسبب تضعيف أحمد للحديث ، وهو أنه روى ابن أبي ذئب عنه بعد
الاختلاط أيضا ، ولعله عمدة ابن حبان في قوله في كتاب الضعفاء : " اختلط بآخره ولم
يتميز حديث حديثه من قديمه فاستحق الترك" ، ثم ذكر له هذا الحديث وقال:
إنه باطل ، وكيف يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى على سهيل بن بيضاء في
المسجد؟
فتبين بهذا علة الحديث وأنه ضعيف ، فلا يقاوم حديث عائشة الصحيح .
فالحق : أن إدخال الجنازة إلى المسجد والصلاة فيه جائز بدون كراهة ، لكن لم يكن ذلك
من عادته عليه الصلاة والسلام ، بل الغالب عليه الصلاة عليها خارج المسجد فهو أولى
" انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (106423)
.
والله أعلم
تعليق