الحمد لله.
أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (130154) أن تقبيل يد العالم ورجله جائز بشروط ، منها : أن يُفعل قربة لله وتعظيما للعلم وأهله ، لا لحاجة من حوائج الدنيا يطلبها أو مع ذل يلحقه ، وألا يُفعل هذا التقبيل مع من يحرص عليه ، وألا يكون ذلك إلا في النادر من الأحوال ، والمرة بعد المرة ، لا يجعل سنة راتبة ، وطريقة متبعة ، كما لقيه ، قبل يده ، أو رجله .
كما أنه لا يجوز أن يفعل على سبيل التبرك كما يفعله الصوفية بأشياخهم ، وإنما بقصد التبجيل والإقرار بالفضل .
ثانيا :
لا نعلم حديثا في تقبيل الصحابة رجل النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثين :
أولهما :
ما رواه أبو داود (5225) والبخاري في "الأدب المفرد" (975) عن أُمّ أَبَانَ بِنْتِ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ - وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ : " لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَرِجْلَهُ " .
ولكن ذكر الرجلين فيه غير محفوظ ، كما تقدم في جواب السؤال رقم : (130154) .
وقول السائل : " قال الأوزاعى بن عامر " خطأ نتج عن تصحيف .
ثانيهما :
ما رواه البزار (4450) ، وابن الأعرابي في "القبل والمعانقة" (43) ، وأبو نعيم في
"دلائل النبوة" (291) ، وابن عساكر في "تاريخه" (4/365-366) من طريق حبان بن علي ،
قَال : حَدَّثنا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ ، عَنْ عَبد اللَّهِ بْنِ بُرَيدة ، عَن
أَبيهِ ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ : " قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فَقَالَ : أَرِنِي آيَةً قَالَ: ( اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ
الشَّجَرَةِ فَادْعُهَا ) ، فَذَهَبَ إِلَيْهَا فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم يَدْعُوكِ ، فَمَالَتْ عَلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنْهَا
حَتَّى قَلَعَتْ عُرُوقَهَا، ثُمَّ أَقْبَلَتْ حَتَّى جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم ، فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ
تَرْجِعَ ، فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ
وَأَسْلَمَ " .
وهذا إسناد ضعيف ، قال الهيثمي في "المجمع" (9/ 10):
" رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ صَالِحُ بْنُ حِبَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ " .
وقال الألباني في "الصحيحة" (26/118) " وإسناده ضعيف ؛ لأن كلا من صالح ، وحبان
ضعيف ؛ كما في " التقريب " وغيره " .
فلم يثبت في باب تقبيل الصحابة ، قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث .
ثالثا :
قال البخاري رحمه الله - في "الأدب المفرد" (676) :
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ
حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ ذَكْوَانَ،
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: " رَأَيْتُ عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَيْهِ
" .
وهذا إسناد ضعيف ، صهيب هو مولى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه ، قيل اسمه
صُهبان ، وهو مجهول لم يرو عنه إلا أبو صالح السمان ، انظر "التهذيب" (4/385) ،
"الجرح والتعديل" (4/444) .
وقال الذهبي في "السير" (3/ 400):
" صُهَيْبٌ لاَ أَعْرِفُهُ " .
وقد اضطرب في هذا الحديث ، فتارة يقول : " رَأَيْتُ عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ
الْعَبَّاسِ وَرِجْلَيْهِ " كما في رواية الأدب المفرد ، وتارة يقول : " رَأَيْتُ
عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ الْعَبَّاسِ وَيَقُولُ: يَا عَمِّ ارْضَ عَنِّي " فلا يذكر
الرجل ، رواه الفسوي في "المعرفة" (1/514) ، وتارة يقول : " رَأَيْتُ عَلِيًّا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَبِّلُ يَدَيِ الْعَبَّاسِ أَوْ رِجْلَهُ " فيذكر الرجل
على الشك ، كما رواه ابن المقرئ في "الرخصة في تقبيل اليد" (ص 73) .
والخلاصة :
أن تقبيل رجل العالم أو الرجل الصالح جائز بالشروط المتقدمة .
وأن تقبيل الرجل غير ثابت عن الصحابة رضي الله عنهم بوجه .
راجع جواب السؤال رقم : (104411) لمعرفة آداب زيارة العلماء .
والله تعالى أعلم .
تعليق