الحمد لله.
أولا :
دلت النصوص الشرعية على اعتناء الشريعة بالأسماء ، فرغبت في الأسماء الحسنة ، ونهت عن الأسماء القبيحة .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير الاسم القبيح إلى الحسن ، ونهى عن أسماء ، هي في الأصل حسنة ، لكنها من وجه - أو أكثر - مستكرهة .
فروى مسلم (2137) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا ، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا ، وَلَا أَفْلَحَ ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ فَيَقُولُ: لَا ).
وينظر جواب السؤال رقم : (7180).
ثانيا :
تطلق عبارة " كلمة الله " ويراد بها عدة معان :
- فيراد بها كلمات الله الشرعية ، وهي وحيه وتنزيله على أنبيائه .
- ويراد بها كلماته الكونية ، وهي أمره الكوني الذي يدبر به شأن خلقه ، وأمور عباده .
وكلمات الله ، سواء منها الكونية ، أو الشرعية : هي صفة من صفاته سبحانه ، وكلام الله غير مخلوق ، بإجماع أهل السنة والجماعة ، وأئمة المسلمين ، ولا يصح أن يسمى بها خلق من خلق الله جل جلاله .
وإنما سمي عيسى بن مريم ، لأجل أنه خلق بكلمته الكونية "كن" ، من غير توسط الوالد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله :
" وَمِنْ هَذَا الْبَابِ سُمِّيَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلِمَةً؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِالْكَلِمَةِ وَكَائِنٌ بِالْكَلِمَةِ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ الْجَهْمِيَّة لَمَّا قَالُوا: عِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ فَهُوَ مَخْلُوقٌ وَالْقُرْآنُ إذَا كَانَ كَلَامَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ إلَّا مَخْلُوقًا؛ فَإِنَّ عِيسَى لَيْسَ هُوَ نَفْسَ كَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خُلِقَ بِالْكَلِمَةِ عَلَى خِلَافِ سُنَّةِ الْمَخْلُوقِينَ فَخُرِقَتْ فِيهِ الْعَادَةُ وَقِيلَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ ، وَالْقُرْآنُ نَفْسُ كَلَامِ اللَّهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى"(6/18) .
فتبين بذلك وجه تسمية عيسى عليه السلام "كلمة الله" ، وأن هذا أمر خاص به ، لم يشركه فيه أحد ، ولم يتسم به غيره من الأنبياء ، فضلا عن عامة الناس سواهم ، فلا يحل أن يسمى أحد من الناس بعده : "كلمة الله" ؛ فإن كلام الله : هو صفة من صفات الله ، ليست مخلوقة .
ثالثا :
وكذلك التسمية بـــ " آية الله " قد يراد بها معنى صحيح ، وقد يراد بها معنى غير صحيح ، فلاحتمالها المعنى غير الصحيح ينهى عنها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" (آية الله، حجة الله ، حجة الإسلام ) ألقاب حادثة لا تنبغي ، لأنه لا حجة لله على عباده إلا الرسل.
وأما آية الله ، فإن أريد به المعنى الأعم ؛ فلا مدح فيه ، لأن كل شيء آية لله ، كما قيل:
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد
وإن أريد المعنى الأخص ؛ أي: أن هذا الرجل آية خارقة ؛ فهذا في الغالب يكون مبالغا فيه، والعبارة السليمة أن يقال: عالم مفت ، قاض، حاكم ، إمام لمن كان مستحقا لذلك " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ" (3/88) .
ولما اشتهر هذا اللقب عند
الشيعة خاصة ، وتفردوا به عن أهل السنة : قوي جانب المنع منه .
وينظر جواب السؤال رقم : (141081)
، ورقم : (134505) .
رابعا :
التسمية بـــ " روح الله " غير مشروعة أيضا ؛ لأن روح الله هو جبريل عليه السلام ،
كما قال تعالى : ( فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا
سَوِيًّا ) مريم/ 17 .
قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَوَهْبُ بْنُ
مُنَبِّهٍ والسُّدِّيُّ : " يعني جبرائيل عَلَيْهِ السَّلَامُ " قال ابن كثير : "
وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ " انتهى من"تفسير ابن كثير" (5/
194) .
ويراد به أيضا عيسى عليه السلام ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ
مِنْهُ ) النساء/ 171 .
وفي حديث الشفاعة : ( ... وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ
وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ... ) رواه البخاري (7440) ، ومسلم (193) .
قال ابن القيم رحمه الله :
" الرّوح الَّذِي نفخ فِي مَرْيَم : هُوَ الرّوح الْمُضَاف إِلَى الله ، الَّذِي
اختصه لنَفسِهِ وأضافه إِلَيْهِ ، وَهُوَ روح خَاص من بَين سَائِر الْأَرْوَاح ،
وَلَيْسَ بِالْملكِ الْمُوكل بالنفخ فِي بطُون الْحَوَامِل من الْمُؤمنِينَ
وَالْكفَّار ؛ فَإِن الله سُبْحَانَهُ وكل بالرحم ملكا ينْفخ الرّوح فِي الْجَنِين
، فَيكْتب رزق الْمَوْلُود وأجله وَعَمله وشقاوته وسعادته ؛ وَأما هَذَا الرّوح
الْمُرْسل إِلَى مَرْيَم : فَهُوَ روح الله الَّذِي اصطفاه من الْأَرْوَاح لنَفسِهِ
؛ فَكَانَ لِمَرْيَم بِمَنْزِلَة الْأَب لسَائِر النَّوْع ، فإن نفخته لما دخلت فِي
فرجهَا : كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة لقاح الذّكر للْأُنْثَى ، من غير أَن يكون
هُنَاكَ وَطْء " انتهى من"الروح" (155) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَسَمَّاهُ رُوحَهُ ، لِأَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ نَفْخِ رُوحِ الْقُدُسِ فِي أُمِّهِ
، لَمْ يَخْلُقْهُ كَمَا خَلَقَ غَيْرَهُ مِنْ أَبٍ آدَمِيٍّ ." انتهى من "الجواب
الصحيح" (3/302) .
وإنما سمي الملك ، والنبي
بذلك الاسم ، دون غيرهم من الخلق : تشريفا لهم وتكريما ، وهي خصوصية لهما ، فليس
ذلك لأحد ، إلا من سماه الله به .
قال ابن حزم رحمه الله :
"كل روح : فَهُوَ روح الله تَعَالَى ، على الْمِلك ؛ لَكِن إِذا قُلْنَا : روح الله
، على الْإِطْلَاق : يَعْنِي بذلك جِبْرِيل ، أَو عِيسَى عَلَيْهِما السَّلَام ،
كَانَ ذَلِك فَضِيلَة عَظِيمَة لَهما " .
انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/9) .
راجع للفائدة جواب السؤال
رقم : (14403) .
وراجع جواب السؤال رقم : (1692)
لمعرفة الأسماء المحرمة والمكروهة في الشرع .
وراجع جواب السؤال رقم : (7180)
لمعرفة آداب تسمية الأبناء .
والله تعالى أعلم .
تعليق