الحمد لله.
أولا :
الحكم بطهارة شيء أو نجاسته هو حكم شرعي ، أي : يجب أن يُتَلَقَّى من الشرع ، ويؤخذ من الأدلة الشرعية .
فإذا أردنا معرفة حكم المني من حيث الطهارة أو النجاسة ، فإننا ننظر إلى الأدلة الشرعية ( الكتاب والسنة النبوية والإجماع والقياس ... وسائر الأدلة ) لاستخلاص هذا الحكم ، وسنجد أن الأدلة الشرعية تدل على طهارة المني ، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (170012) .
ثم إذا ورد إشكال على هذا الحكم الشرعي المستفاد من الأدلة الشرعية : فالواجب البحث له عن جواب سليم مقنع تجتمع به الأدلة الشرعية مع واقع الأمر ، أو مع ما يظنه السائل واقعاً .
والإشكال الذي ذكره السائل هنا إشكال وارد بلا شك ، وهو ليس جديداً ، فقد تحدث العلماء عنه قديماً ، وأجابوا عنه أيضا !!
والجواب على هذا الإشكال من عدة أوجه :
الأول : أن القول بأن "خروج المذي قبل المني هو أمر حتمي" : قول غير صحيح ؛ وأنه لا
تلازم بين خروج المني ، وخروج المذي قبله .
قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله في "المغني" (2/499) " وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي
الْمَنِيِّ مِنْ الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَجِسٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ
الْمَذْيِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا .
فَإِنَّ مَنِيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ مِنْ
جِمَاعٍ [ لأن الأنبياء لا يحتلمون ] ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ
بِفَرْكِهِ " انتهى .
وانظر : " الشرح الكبير " (1/309) .
والإشارة بقوله : " وقد ذكرنا فساد هذا " ، إلى ما ذكره قبل ذلك بعدة صفحات (2/492)
وهو يرد على كلام القاضي قال : " وَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ ، فَإِنَّ الشَّهْوَةَ
إذَا اشْتَدَّتْ خَرَجَ الْمَنِيُّ دُونَ الْمَذْيِ ، كَحَالِ الِاحْتِلَامِ "
انتهى .
وانظر : " المبدع " (1/218) .
وقد نقل الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (1/398) جواب ابن قدامة رحمه الله ووافقه
عليه .
وعلى هذا ؛ فالمقدمة التي بُني عليها هذا الإشكال غير صحيحة .
الوجه الثاني :
على فرض أن هذه المقدمة صحيحة – وهي ليست كذلك – فإن هذا المذي هو شيء يسير : خالط
المني ، واستُهلِك فيه ؛ فلم يبق له أثر ، ولم ينجس المحل .
وإذا كان يعفى عن يسير المذي المنفرد ، كما هو الأصل في النجاسات التي يُعفى عن
يسيرها ؛ فمن باب أولى يُعفى عن يسيره المختلط بالمني الطاهر .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النجاسات على قسمين :
ما يبطل الصلاة قليلها وكثيرها .
وما يعفى عن يسيرها .
أما المذي فيُعفى عنه في أقوى الروايتين ؛ لأن البلوى تعم به ، ويشق التحرز منه ،
فهو كالدم ، بل أولى ؛ للاختلاف في نجاسته ، والاجتزاء عنه بنضحه " انتهى من " شرح
عمدة الفقه لابن تيمية - من كتاب الطهارة والحج " (1/ 104) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يُعفى عن النجاسات فيما يأتي :
أولا : يسير الدم وما تولد منه ، إلا دم الحيض .
ثانيا : يسير المذي وسلس البول مع كمال التحفظ ... إلخ " انتهى من " تعليقات الشيخ
ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة " (1/ 56 ، بترقيم الشاملة آلياً )
وقد ذهب بعض العلماء إلى نجاسة المني لأنه يخرج من
مخرج البول ، فيتنجس بآثار البول ، وأُجيب بجوابين :
1- أن هذا مما عَفَى الشرع عنه .
2- أن ملاقاة النجاسة في الباطن لا تؤثر، وإنما تؤثر ملاقاتها في الظاهر .
انظر : " المجموع " للنووي (1/301) ، (2/574) .
وللمزيد يرجى مراجعة الفتوى رقم : (97942)
، (194692) .
والله أعلم .
تعليق