الحمد لله.
أولاً :
من حلف على ترك معصية ما ، حرم عليه الحنث في تلك اليمين ؛ لكون الحانث في هذا النوع من اليمين سيقع في الحرام بحنثه .
قال ابن قدامه رحمه الله : "
ومتى كانت اليمين على فعل واجب , أو ترك محرم , كان حَلُّها محرما ; لأن حلها بفعل
المحرم ، وهو محرم " انتهى من " المغني " (9/390) .
وقال الرحيباني رحمه الله : " ( و ) من حلف ( على فعل واجب ، أو على ترك محرم , حرم حنثه ) ؛ لما فيه من ترك الواجب ، أو فعل المحرم , ( ووجب بره ) " انتهى من " مطالب أولى النهى " (6/366) .
وجاء في " البناية شرح الهداية " (6/111) : " و" اليمين " في وجوب الحفظ أربعة أنواع : ما يجب فيها البر وهو الحلف على فعل طاعة أو ترك معصية ، وذلك فرض عليه ، وبالحلف يزداد وكادة .." انتهى .
ثانياً :
إذا حلف الشخص على أن لا يفعل معصية بعينها ، ثم فعل تلك المعصية ، فإنه يلزمه أن
يتوب من مخالفة يمينه ، ووقوعه في المعصية ، ويلزمه مع ذلك كفارة يمين .
فقد سئل الشيخ عبد العزيز بن
باز : إني أقسمت بوضع يدي على كتاب الله ، أن أقلع عن معصية معينة ، وأقلعت فعلاً ،
ولكن ما حدث : أني عدت مرة ثانية ، سؤالي هل علي كفارة ؟
فأجاب رحمه الله : " عليك
التوبة ، والكفارة جميعًا ، التوبة إلى الله ، إذا كانت معصية ، وعليك الكفارة ،
كفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، إطعام عشرة ، تعشيهم أو تغديهم ،
أو تدفع لهم نصف صاع من التمر ، أو من الأرز ، أو من الحنطة ، ولو دفعت معه إدامًا
يكون أفضل ، أو تكسوهم كسوة ، تجزئهم في الصلاة ، كالقميص ، أو إزار ورداء ، لكل
واحد ، أو تعتق رقبة إن قدرت ، وإن عجزت عن الثلاثة ، تصوم ثلاثة أيام ، هذه كفارة
اليمين " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية : أن يثبت على يمينه ، وألا يعصي
الله عز وجل ، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها : فعليه كفارة يمين ، وهي
عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا
مَن عجز عن هذه الأشياء الثلاثة : العتق ، والإطعام ، والكسوة ، وأما مَن قدِر :
فلو صام ثلاثة أشهر : لا يجزئه .
وإني أنصح هذا الأخ أن يكون قوي العزيمة ، ثابتاً ، وألا يجالس أهل المعصية التي
تاب منها ، بل يبتعد عنهم، حتى يستقر ذلك في نفسه " انتهى من " فتاوى نور على الدرب
" لابن عثيمين .
ثالثاً :
الحلف على ترك المعاصي ، من أهل العلم من قال : إنه مندوب ؛ لما فيه من حمل النفس
على ترك المعصية ، ومنهم من قال : إنه ليس بمندوب ؛ لعدم وروده .
قال ابن قدامه رحمه الله : "
وإن حلف على فعل طاعة , أو ترك معصية , ففيه وجهان :
أحدهما : أنه مندوب إليه . وهو قول بعض أصحابنا , وأصحاب الشافعي ; لأن ذلك يدعوه
إلى فعل الطاعات , وترك المعاصي .
والثاني : ليس بمندوب إليه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا
يفعلون ذلك في الأكثر الأغلب , ولا حث النبي صلى الله عليه وسلم أحدا عليه , ولا
ندبه إليه , ولو كان ذلك طاعة لم يُخِلُّوا به , ولأن ذلك يجري مجرى النذر , وقد (
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر , وقال : إنه لا يأتي بخير , وإنما يستخرج
به من البخيل ) متفق عليه " انتهى من " المغني " (9/389) .
والقول الثاني : هو المعتمد عند الحنابلة .
ينظر : " الإنصاف " (11/13) ، و " كشاف القناع " (6/229) .
وعليه ، فيحسن بالمسلم أن لا يحلف على ترك المعاصي ، بل يجاهد نفسه على تركها من غير يمين ؛ حتى لا يعرض نفسه للحنث في يمينه .
لكن إن رأى في نفسه تهاونا في ذلك ، وإسراعا إلى المعصية ، ورأى أن يمينه سوف يحجزه عنها : فلا حرج عليه إن شاء الله في أن يحلف على ترك المعصية ، مع وجوب حفظ يمينه ، والتحرز من مواقعة المعصية ، بعدما تأكد حقها في تركها من جهة اليمين ، زيادة على وجوب تركها بأصل الشرع .
والله أعلم .
تعليق