الحمد لله.
أولاً :
المسلم عَفُّ اللِّسان ، طيِّب القول ، لا يشتُمُّ ولا يسُبُّ ولا يطعَن ولا يخوض في الأعراض ؛ قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) الإسراء/ 54 ، وفي الحديث : ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ ، وَلا اللَّعَّانِ ، وَلا الْفَاحِشِ ، وَلا الْبَذِيءِ ) رواه الترمذي (1977) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (320) .
والمسلم له أسوة حُسنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي قال عنه أنسٌ رضي الله عنه : " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا ، وَلاَ لَعَّانًا ، وَلاَ سَبَّابًا " رواه البخاري (6046).
ثانيًا :
لا يُحكَم على شخص بأنَّه ابن زِنا إلا إذا جاءَ من طريقٍ غيرِ شرعيٍّ محرَّمٍ
تحريمًا محضًا - كزِنا أو اغتصابٍ - .
أما مَن جاء بنكاحٍ صحيحٍ مُباحٍ - وهو الزواج الشرعي - ، أو نكاحٍ فيه شُبهة -
كالنِّكاح الفاسد ( كمَن تزوَّج بغير وليّ ) ، أو كمَن جامعَ امرأة يظنُّها زوجتَه
–؛ فلا يُعَدُّ هذا ابنَ زِنا ولا يُسَمَّى بهذا.
ونكاح المُتعة الذي يستحلُّه الشِّيعة الروافِض - وإنِ استقرَّ إجماعُ العلماء على
تحريمه ، وأنَّه نكاحٌ باطلٌ - ، لكنَّه من جهة أخرى نكاحٌ فيه شُبهة العَقْد ،
وليس هو زِنا محضًا ؛ ولذا قال العلماء بلحوق النسب فيه ، وأوجبَ جمهورهم تعزيرَ
فاعِله - إن كان يعلم التحريمَ - ولم يُوجِبوا فيه حَدَّ الزِّنا .
جاء في "الموسوعة الفقهية " (41/341) :
" اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ فِي
نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لَحِقَ نَسَبُهُ بِالْوَاطِئِ ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَهُ نِكَاحًا
صَحِيحًا أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ ، لأِنَّ لَهُ شُبْهَةُ الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ
تَصِيرُ بِهِ فِرَاشًا.
وذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ
عَلَى الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ
عَلَى مَنْ تَعَاطَى نِكَاحَ الْمُتْعَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ
لِلرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ ؛ لأِنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ،
وَالشُّبْهَةُ هُنَا هِيَ شُبْهَةُ الْخِلاَفِ ، بَل يُعَزَّرُ إِنْ كَانَ عَالِمًا
بِالتَّحْرِيمِ لاِرْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ "
انتهى .
قال الإمام النووي : " وَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ جَاهِلًا
بِفَسَادِهِ : فَلَا حَدَّ ، وَإِنْ عَلِمَ : فَلَا حَدَّ أَيْضًا عَلَى
الْمَذْهَبِ ، وَحَيْثُ لَا حَدَّ: يَجِبُ الْمَهْرُ ، وَالْعِدَّةُ ، وَيَثْبُتُ
النَّسَبُ " .
انتهى من " روضة الطالبين " (7/42) .
وقال البُهُوتي : " وَمَنْ تَعَاطَاهُ عَالِمًا تَحْرِيمَهُ ؛ عُزِّرَ ؛
لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ ، وَيَلْحَقُ فِيهِ
النَّسَبُ إذَا وَطِئَ يَعْتَقِدهُ نِكَاحًا.
قُلْتُ: أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ نِكَاحًا ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةُ الْعَقْدِ "
انتهى من " كشاف القناع " (5/97) .
وبما أن النسب يلحق فيه للواطئ : فلا يُسَمَّى مَن جاءَ من هذا النِّكاح ابنَ زِنا
، ولا يجوز للمرأة التي نُكِحَت نكاحَ متعة أنْ يُقال عنها زانية ؛ إلا إذا ثبتَ
أنَّها استحلَّت الزِّنا المحضَ الحرام ، ووقعَت فيه ، وأنَّى لنا أن نُثبِت هذا
بغير إقرارٍ منها بذلك أو بشهادة أربعة شهود ؟!!
ثالثًا :
ليس كلُّ نساءِ الشِّيعة الروافض يُمارِسْنَ نِكاح المُتعة ، فبعضُهنَّ - مع فساد
العقيدة وانتحالِ هذا المذهبِ الباطلِ الشنيعِ - عفيفات ، وهذا كبعض نساء أهلِ
الكتاب التي قال الله تعالى فيهنَّ : ( وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) المائدة/ 5 ، والمقصود بـ ( المُحصنات ) : العفيفات ،
ينظر: " تفسير البغوي " (3/19) ، و" تـفسير ابن كثير" (3/42).
وعلى هذا فلا يجوز إطلاق القول بأنَّ كل امرأة شيعيَّة تُمارِس نكاح المُتعة ،
فضلاً عن وصف كل واحدة منهن بالزانية ، أو إطلاق القول بأنَّ الشِّيعة أبناء مُتعة
أو أبناء زنا ؛ بلا بُرهان ولا تثبُّت .
وهذا من الإنصاف والعَدْل والقِسْط الذي أمرَنا الله تعالى به ؛ كما في قوله تعالى:
( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ) الأنعام/152، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ
لِلتَّقْوَى) المائدة/ 8 .
وقد سألنا شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، عن إطلاق القول بأن الرافضة أبناء متعة ، هل في ذلك ظلم لهم .
فقال: " إذا كان على سبيل التعميم فنعم فيه ظلم ، فالعدل ولزوم القسط واجب مع كل أحد ".
ونسأل الله تعالى أن يوفِّقنا لما يحبُّه ويرضاه ، وأن يرزقنا السداد في القول
والعمل .
وينظر جواب السؤال : (20738) ، (139687).
والله أعلم .
تعليق