الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل "الحيي" و "السّتّير" من أسماء الله الحسنى ؟

218083

تاريخ النشر : 21-09-2014

المشاهدات : 55162

السؤال


هل ثبت أن الحيي والستير من أسماء الله , أم إنهما صفتان من صفات لله وفقط ؟ لأن الحديث الذي رواه أبو داوود عن أبي يعلى ( رضي الله عنه), أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الله حيي ستير . جيد , حتى ولو أننا نثبت هاتين الصفتين على أنهما أسماء لله, فكيف ندعوا باسم الله الحيي؟ هل صحيح أن نقول: "يا الله", بفضلك أعني على تجنب الفواحش والمعاصي لأنك أنت الحيي ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (155206) بيان أن أسماء الله تعالى توقيفية ، وأنها ثابتة له سبحانه بنصوص الكتاب والسنة ، ولا مجال فيها للرأي ولا للاجتهاد .

ثانيا :
روى أبو داود (4012) ، والنسائي (406) ، وأحمد (17970) عَنْ يَعْلَى بن أمية أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سَتِيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ)
وصححه النووي في "الخلاصة" (1/204) ، وقال الشوكاني : " رِجَالُ إسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ " انتهى من "نيل الأوطار" (1/ 315) .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ، وحسنه محققو المسند .

ثالثا :
استَدَلَّ بهذا الحديث طائفةٌ من أهل العلم على أن : " الحيي " و " الستير " من الأسماء الحسنى .
انظر جواب السؤال رقم : (106256) .
وانظر : "قطف الجنى" (ص86-87) للشيخ عبد المحسن العباد .

وممن ذكر هذا الاسم في أسماء الله الحسنى : الحليمي ، والبيهقي ، والقرطبي ، وابن القيم ، والعثيمين ، وغيرهم .

وذهب بعضهم إلى أن هذا من باب الإخبار عن الله تعالى ، ووصفه بالحياء والستر ، وليس من باب الأسماء ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( الله الطبيب ) رواه أبو داود (4207) وصححه الألباني .
وممن أسقطه من إحصاء الأسماء الحسنى : الخطابي ، وابن منده ، وابن حزم ، والأصبهاني ، وابن الوزير ، وابن حجر ، والسعدي ، وغيرهم ، ولم يرد ذكر في طرق حديث الأسماء المشهور .
وينظر : "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" ، د. خليفة التميمي (149) .

وعلى كل حال ؛ فـ"الحياء" و"السِّتر" : صفتان ثابتان لله جل جلاله ، على ما يليق بكماله وجماله وجلاله .
قال أبو الحسن المباركفوري " (حيي) بيائين الأولى مخففة مكسورة والثانية مشددة مرفوعة، أي: كثير الحياء من تفضيح عباده وإظهار شنائعهم .
(ستير) بوزن كريم، وقيل : هو كسكيت - بكسر السين وتشديد التاء المكسورة - فعيل بمعنى فاعل، أي: من شأنه وإرادته حب الستر والصون .
(يحب) أي: من عبده . (الحياء) فإنه من الإيمان . (والتستر) كالتقبل، وفي أبي داود والنسائي الستر بفتح السين وسكون التاء .
قال التوربشتي: يعنى أن الله تعالى تارك للقبائح، ساتر للعيوب والفضائح، يحب الحياء والستر من العبد ليكون متخلقاً بأخلاقه تعالى، فهو تعريض للعباد، وحث لهم على تحري الحياء والتستر" انتهى من "مرعاة المفاتيح" (2/144) .

وقال الشيخ علوي السقاف ، حفظه الله :
" صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، و (الحيي) من أسمائه تعالى .
الدليل من الكتاب:
1- قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة: 26] .
2- قوله تعالى: وَاللهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ [الأحزاب: 53] .
الدليل من السنة:
1- حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه مرفوعاً: ( ... وأما الآخر؛ فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر؛ فأعرض، فأعرض الله عنه ) رواه: البخاري (66) ، ومسلم (1405) .
2- حديث سلمان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... إنَّ ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنَّ يردهما صفراً خائبتين ) . رواه: الترمذي واللفظ له، وأبو داود، وأحمد، والحاكم. انظر: "جامع الأصول" (2118) ، و"صحيح الجامع" (1757) ...
قال الهرَّاس: " وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته ، وكمال جوده وكرمه ، وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية ، مع أنه أفقر شيء إليه ، وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه ، مع كمال غناه ، وتمام قدرته عليه : يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيئه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر" اهـ. قال الأزهري في "تهذيب اللغة" (5/288) : " وقال الليث: الحياء من الاستحياء؛ ممدود ... قلت: وللعرب في هذا الحرف لغتان: يُقال: استحى فلان يستحي؛ بياء واحدة، واستحيا فلان يستحْيِي؛ بياءين، والقرآن نزل باللغة التامَّة؛ ـ يعني الثانية ـ"اهـ. باختصار من "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" (147-149) .
وينظر جواب السؤال رقم : (106256) .

تنبيه :
قول التوربشتي : " يعنى أن الله تعالى تارك للقبائح " : ليس هذا هو معنى الحياء ، بل هذا تأويل له بلازم الصفة ؛ فإن من لازم الحياء من الشيء : تركُه .

رابعا :
الأمر في الدعاء بهذين الاسمين ، أو بمتقضى هاتين الصفتين ، والتوسل بذلك إلى الله جل جلاله : واسع ، فللداعي أن يقدم ذلك بين يدي دعائه ، فيقول : " يا حيّي يا ستّير استرني " ، أو يقول : " اللهم إني أسألك بأنك أنت الحيّي الستّير أن تستر عوراتي " أو يقول : " اللهم أنت حيّي تحب الحياء ، ستّير تحب الستر ، فاسترني في الدنيا والآخرة ، ونحو ذلك .
انظر جواب السؤال رقم : (127316) .

ومن أعظم التوسل إلى الله بذلك ، والتقرب إليه : أن يظهر مقتضى هذين الاسمين في حياة العبد : فلا يفعل القبيح ، ولا يهتك الستر فيما بينه وبين ربه ، ولا يهتك ستر الناس ، بل يسترهم، كما أن الله يحب الستر من عباده ، والستر عليهم .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وهو سبحانه وتعالى : رحيم يحب الرحماء ، وإنما يرحم من عباده الرحماء ، وهو ستير يحب من يستر على عباده ، وعفو يحب من يعفو عنهم ، وغفور يحب من يغفر لهم، ولطيف يحب اللطيف من عباده ، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ ، ورفيق يحب الرفق، وحليم يحب الحلم ، وبر يحب البر وأهله ، وعدل يحب العدل ، وقابل المعاذير يحب من يقبل معاذير عباده ، ويجازي عبده بحسب هذه الصفات فيه وجوداً وعدماً .
فمن عفا : عفا عنه ، ومن غفر غفر له ، ومن سامح سامحه ، ومن حاقق حاققه، ومن رفق بعباده رفق به ، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه ، ومن جاد عليهم جاد عليه ، ومن نفعهم نفعه ، ومن سترهم ستره ، ومن صفح عنهم صفح عنه ، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته ، ومن هتكهم هتكه وفضحه ، ومن منعهم خيره منعه خيره ، ومن شاق شاق الله تعالى به ، ومن مكر مكر به ، ومن خادع خادعه ، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله تعالى بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة .
فالله تعالى لعبده على حسب ما يكون العبد لخلقه ، ولهذا جاء في الحديث : من ستر مسلماً ستره الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله تعالى عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله تعالى حسابه ، ومن أقال نادماً أقال الله تعالى عثرته ، ومن أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله تعالى في ظل عرشه ؛ لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر ، ونجاه من حر المطالبة وحرارة تكلف الأداء ، مع عسرته وعجزه : نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش ." انتهى من "الوابل الصيب" (35) .
والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب